يا قيادة فلسطين.. نكبتنا أصبحت نكبات فهل من صاحب ضمير؟!

يا قيادة فلسطين.. نكبتنا أصبحت نكبات فهل من صاحب ضمير؟!
حجم الخط

يظلنا الخامس عشر من أيار، حاملاً معه ذكرى جراح فلسطين التي نفذتها العصابات الصهيونية عام 1948م، يوم أن هُجِّر شعبٌ عربيٌ من أرضه، وحلت مكانه دولة البغي والعدوان الإسرائيلي.

تسعة وتسون عاماً مرت على نكبة الشعب الفلسطيني، التي تمثلت في تهجير أجدادنا قسراً عام 1948م، على أيدي العصابات الصهيونية، حيث شهدت فلسطين في هذا اليوم، ثلاثة أحداث وهي: زوال اسمها عن الخارطة السياسية والجغرافية، وقيام ما تسمى دولة إسرائيل، وأيضاً بدء الحرب العربية الإسرائيلية.

مما لا شك فيه أن النكبة حولت مئات آلاف الفلسطينيين إلى لاجئين ومهجرين خارج الوطن وداخله، بعد إقامة دولة استعمارية لليهود الصهاينة، المهجرين من أصقاع العالم، ليحلوا مكان صاحب الأرض الأصلي.

وتمر هذه الذكرى النكبة على المجتمع الدولي وكأنها حدثٌ عابر، غير مكترث لما ألم بالشعب الفلسطيني الأعزل في وجه أعتى ترسانة عسكرية إسرائيلية على وجه البسيطة، في ظل تنكر الاحتلال لقرارات الأمم المتحدة والمبادرات الدولية المطروحة، والقرارات الدولية: (181)، و(194)، و(242)، و(383)، والكثير من القرارات التي ولدت ميتة بسبب تنكر دولة الاحتلال لها، وعدم تنفيذ أي منها.

لم يتوقف الأمر لدى دولة الاحتلال عند تنكرها لكافة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني فحسب، بل إنها نفذت ولا تزال تقوم بعملية تطهير عرقي لكل ما هو فلسطيني، من خلال عمليات الاغتيال بدم بارد للشبان الفلسطينيين في مختلف مدن الضفة الغربية والقدس المحتلة، وأيضاً قطاع غزة الذي شهد ثلاثة حروب ليس لها مثيل أتت على كل ما هو فلسطيني.

 لقد دأبت دولة الاحتلال الإسرائيلي على عدم الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا، عدا عن عدم تنفيذ قرارات منظمة الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، فيما لا يزال الأحفاد يحملون مفاتيح العودة، رافضين مقولة "الكبار يموتون والصغار ينسون"، ويقدمون أرواحهم في سبيل تحرير أرض أجدادهم.

وبعد مرور 69 عاماً على نكبة فلسطين، فإن النكبة أصبحت نكبات، وويلات الشعب الفلسطيني توسعت فجوتها، لتشمل كافة مناحي الحياة اليومية، عدا عن الواقع السياسي المشتت، فمنذ النكبة وحتى يومنا هذا، تعاقبت الأزمات على شعبنا الفلسطيني، بدءًا من أزمة البطالة ومروراً بالحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة ومدينة القدس ومدن الضفة، وأزمة الكهرباء الممتدة منذ عشر سنوات في قطاع غزة، وصولاً إلى الانقسام السياسي بين الضفة وغزة، بعد أحداث الانفلات بين حركتي فتح وحماس عام 2007م.

ومنذ نكبة عام 1948م، ارتبطت ذاكرة الشعب الفلسطيني بالنكبات والأزمة المتلاحقة، ولكن المفارقة تكمن أن نكبة 48، نفذها الاحتلال الإسرائيلي وعصابات المنظمة الصهيونية، فيما كانت الأزمات الأخرى من صناعة الفلسطينيين.

واقع مرعب تعيشه فئة الشباب التي تشكل العصب الأساسي للمجتمع، والتي من المفترض أن تكون مشعل العطاء في معركة التحرر من الاحتلال، وأصبح الصراع على سلطة ورقية لم تكتمل أركانها، هو أسمى ما تتطلع له قيادات الشعب الفلسطيني على مختلف مسمياتها، على الرغم من أنها وصلت إلى ما وصلت إليه تحت مسمى إنهاء معاناة ومأساة شعبهم المتجذرة بفعل النكبة.

 سبعة عقود مرت على نكبة شعبنا الفلسطيني، والأزمات وصلت إلى ذروتها، بل إن القيادات التي خرجت من رحم النكبة وظهرت للعامة دفاعاً عن الشعب، باتت غير مدركة لحجم المخاطر الداخلية والخارجية، والتي جعلت من القضية الفلسطينية ملفاً على هامش قضايا المجتمع الدولي.

أقولها وقلبي يعتصر ألماً، لقد أدى إهمال القيادات الفلسطينية للدور المنوط بها تجاه أبناء شعبها، إلى واقع مؤلم وخطير نعيشه بشكل يومي، سواء من انتشار البطالة وتكدس الخريجين، أو انعدام الثقة بين أبناء المجتمع الواحد، أو ارتفاع معدلات الفقر، وحالات القتل التي تدق ناقوس الخطر في مجتمعنا.

لذلك فإن نكبة الشعب الفلسطيني لم تكن في العام 1948 فحسب، بل إنها لازمته حتى يومنا هذا، وما أكثر النكبات التي حلت به، فالفقر وانعدام فرص العمل وعدم توفر مقومات الحياة، تُعد نكبة من ضمن النكبات التي عايشها شعبنا، وكانت النكبة الأكبر لسكان وشباب قطاع غزة، بدأت منذ عام 2006م، بعد أن فرضت دولة الاحتلال الإسرائيلي حصارها البشع وبات أكثر من مليوني نسمة يرزحون تحت خط الفقر والبطالة المقنعة، ولا يزال أبناء شعبنا يكتوون بنيران الحصار والمشكلات الاجتماعية والحواجز الإسرائيلية والاعتقالات، دون أن تنظر قياداته بعين الرحمة لذاك الشعب الذي فوضه للدفاع عن حقوقه، لا أن يسلبها الصراع على سلطة ورقية لا وجود لها.

الواقع الأليم الذي يعشيه الشعب الفلسطيني يُحتم على قياداته التوحد في صف واحد، من أجل العمل على لملمة جراحه وتضميدها جزئياً، وعلى صعيد الاحتفالات في ذكرى النكبة، فإنه ليس باب الرفض لتنظيم تلك الاحتفالات التي من شأنها أن تّعيد لدى الأجيال ذاكرة الأجداد الذين رُحلوا من ديارهم قسراً، بل إن كثرة النكبات التي ألمت بشعبنا تتطلب النظر بجدية لما وصل إليه حالنا، والتفكير ملياً في الحلول لها قبل أي شيئ.

وختاماً فإنه يتوجب التأكيد على أن المشروع الوطني يواجه تحديات داخلية خطيرة، تتمثل في الانقسام الفلسطيني الذي يهدد ومازال يهدد مشروعنا الوطني، ويستدعي من الكل الفلسطيني العمل بجدية على طي صفحته إلى الأبد، وأيضاً التأكيد على أن حق العودة حق مقدس، لا يملك أي أحد إسقاطه، ولا زلنا متمسكين بحقنا في العودة، ولن نتخلى يوماً عنه ما دمنا أحياء.

مدير التحرير

صالح النزلي