زمن الأسئلة الصعبة والأجوبة السهلة!

حسن البطل.jpg
حجم الخط

من بين التعقيبات على عمود، أول من أمس، الأحد، سأختار ثلاثة:
حمادة جابر: «لماذا يتعمد عباس التواجد خارج البلاد في ذكرى النكبة من كل عام»؟
جمال شاهين: «الاستجداء على موائد اللئام! من وين الذكاء.. دخلك؟».
سليمان الفيومي: «نظير مجلّي يا حسن ليس من فلسطينيي إسرائيل. هو فلسطيني من فلسطين المحتلة».
كل واحد من هؤلاء القرّاء اختار فقرة وعقّب عليها باعتراضه خارج سياق مقال معنون: «تمهيداً لما هو آت»، الذي نال خمسة إعجابات لا غير، و261 قراءة، و26 مشاركة!
في السنوية الـ69 للنكبة، يبدو لي أن الأجوبة السهلة على مسار أوسلو لا تغني عن الأسئلة الصعبة الآن. من الأجوبة السهلة مظاهرات، قبل أسبوع من الانتخابات البلدية، تطالب بتأجيلها. من الأسئلة الصعبة: كيف سيكون الجواب الفلسطيني والإسرائيلي على أفكار «حل سهل» يراه ترامب لهذا الصراع الكؤود والطويل؟
لدى الفلسطينيين هوية وطنية متبلورة، وليس لهم كيان سياسي سيادي. لدى الإسرائيليين كيان سياسي سيادي، قوي ومزهر، وأزمة هوية، كما تتجلّى في «قانون القومية».
لدى الفلسطينيين قانون أساس، بمثابة دستور مؤقت، مبني على وثيقة إعلان الاستقلال 1988، وخلاصته أن حدود سيادة الدولة الفلسطينية ترتسم على حدود 1967، ودولة فلسطينية منزوعة السلاح. ماذا لدى الإسرائيليين في مشروع قانون «الهوية القومية»: تكريس النشيد القومي (هاتكفاه) والعلم الوطني، والرمز الرسمي للدولة (الشمعدان).. لكن ما الذي ينقصه؟ الاعتراف بأن «الحل بدولتين» يعني ترسيم الحدود وفق خطوط 1967 المعدّلة.
لا يوجد دستور لدولة عمرها 69 سنة، وكل دساتير الدول، حتى طازجة الاستقلال، ترسم حدود دولها.
لدى إسرائيل، منذ احتلالها للضفة وغزة نوعان من الحدود: حدود السيادة غير المحدّدة، وحدود الأمن غير المحدّدة بدورها، ولو أن الجدّة غولدا مائير قالت: الحدود حيث يقف الجنود. كان الجنود يقفون، مرتين، على ضفاف قناة السويس، والآن يقفون على نهر الأردن، لكن حدود أمن إسرائيل تعني حرية العمل في سماء وأرض الدول المجاورة لها، وحتى البعيدة عنها!
ما هو المعنى من «قانون القومية»؟ ظاهرياً هو تسبيق الهوية اليهودية على الهوية الديمقراطية، ولو تعارضت مع وثيقة إعلان استقلال إسرائيل المعلنة بصوت بن ـ غوريون عن المساواة بين رعاياها، التي بقيت بين «متساوين أكثر» لليهود و»متساوين أقل» لغير اليهود، ثم تطوّرت بعد احتلال 1967 إلى محاولات لفرض سيادة قانونية على المستوطنات، وحرمان الفلسطينيين من السيادة على أراضيهم.
المستوطنات أرض خاصة ومغلقة بالديمغرافيا اليهودية، أي هي شكل من المعازل العنصرية، والخطير في قانون القومية المطروح هو حق اليهود في إسرائيل، وهم الغالبية، بإقامة «معازل» ديمغرافية «لكل أتباع مجموعة دينية أو قومية»، بما يعيد دولة إسرائيل ذات الـ69 سنة إلى بدايات الاستيطان والكيانيات اليهودية في زمن «الييشوف».
ما هو الفرق بين «دولة يهودية» تطالب إسرائيل العالم بالاعتراف بها، وبين «دولة اليهود» وحدهم كما هو فحوى قانون القومية؟ إن دولة يشكّل يهودها 80% من سكانها غير «دولة قومية لليهود» دون سواهم، أي إنكار أنها دولة لشعبين، علماً أن الفلسطينيين في إسرائيل هم الشعب الأصلاني المنكوب منذ 69 سنة، ويعيشون أحياناً في مدن مختلطة مع اليهود، كما في القدس، التي تطالب إسرائيل العالم الاعتراف بها عاصمة لها وحدها، علماً أن زهاء 30 ـ 40% من سكانها غير يهود، بينما يطالب الفلسطينيون والعالم بقدس عاصمة دولتين، وذات حدود مفتوحة بينهما، مع بلدية عليا للبلديتين فيهما.
عموماً، في خلاصة مسار أوسلو، فإن القيادة الفلسطينية تبدو، ولو مرغمة، أكثر عقلانية وواقعية من شعبها، بينما القيادة الإسرائيلية الحالية خصوصاً، تبدو أكثر تشدداً وتطرفاً من عموم شعبها، خلافاً لما كان الحال عليه حتى حقبة أوسلو.
هذا يعني أن المسار السياسي والأيديولوجي لدولة إسرائيل له علاقة طردية عكسية بحق تقرير المصير الفلسطيني. هذا الحق الذي لمح إلى اعتراف ترامب به، عبر مستشاره للأمن القومي، يعني حق الاستقلال، الذي يعني حق إقامة دولة خاصة له.
الفلسطينيون يرزحون تحت نير آخر استعمار مباشر في العالم، وكانت الأمم المتحدة قررت، أوائل ستينات القرن المنصرم، تصفية الاستعمار الأوروبي لأفريقيا، وحصلت دول كثيرة على مظاهر الاستقلال دون بنية مؤسساتية وإدارية محلية ووطنية تدعمه، لكن صار لدى الفلسطينيين بعد حقبة أوسلو مؤسسات دولة على الطريق.
في مقابلة نشرتها «إسرائيل اليوم» مع أبرز الكتّاب الصهاينة العلمانيين في إسرائيل والعالم، عاموس عوز، حول كتابه «سلام للأصوليين» يقول إن الأصولية هي «جين» موجود لكل إنسان، بمن فيهم أنا، المؤيد لتقسيم أرض البلاد بين شعبين. ترى ما الفرق بينهما؟
يقول: الفلسطينيون يديرون حرباً عادلة من أجل إنهاء الاحتلال، وحرباً أخرى ضد الإسلام المتطرف. أما دولة إسرائيل فهي تحارب من أجل حق الشعب اليهودي أن يكون شعباً حراً في بلاده، لكنها تخوض حرب قمع ضد الفلسطينيين لإضافة 3 ـ 4 شقق على حساب الجار الفلسطيني «وأحياناً يكون الشخص نفسه في هاتين الحربين».
***
مع جولة ترامب وأفكاره العبيطة والساذجة و»المجنونة» لحل سهل، يبدو أن زمن الأسئلة الصعبة سيكون صعباً على الفلسطينيين الضعفاء، وربما أكثر صعوبة على الإسرائيليين الأقوياء؛ صعباً على قيادة فلسطينية أكثر عقلانية من عموم شعبها، وأكثر صعوبة على قيادة إسرائيلية أقل عقلانية من عموم شعبها.
***
قبل أوسلو هذه، سُئل عيزر وايزمان: هل تعترف بوجود شعب فلسطيني؟ قال: وماذا عن الفلسطينيين في إسرائيل.. لهذا قلت: إن نظير مجلّي من فلسطينيي إسرائيل، لأن أيمن عودة قال: نحن فلسطينيون 100% ومواطنو إسرائيل100%.