الانتخابات المحلية: تنشيط الساكن الشعبي

رجب أبو سرية.jpg
حجم الخط

رغم أن الانتخابات المحلية جرت في ظل عدم اهتمام إعلامي يليق بالحدث، إلا أنه بالنظر إلى الظروف التي جرت فيها، خاصة باللحظة التي فيها الكل الوطني الفلسطيني منشغل، عن وجه حق، بإضراب الحرية والكرامة، الذي يقوم به خيرة مناضلي الشعب الفلسطيني من المعتقلين والأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فإنه يمكن تفهم عدم الاهتمام الإعلامي كما يجب بالحدث الانتخابي، لكن ذك لا يقلل _ برأينا _ من أهمية الحدث، الذي يحقق جملة من الأهداف، ليس آخرها أنه استحقاق شعبي وحسب.
لا بد من النظر، أولاً وقبل كل شيء إلى أي حدث انتخابي شعبي، على أنه احترام للإرادة الشعبية، يجب أن يظل قائماً بين النخبة السياسية والمواطنين، ورغم أن الانتخابات التشريعية أو البرلمانية بحكم أنها تحدد طبيعة السلطة التنفيذية في نظام الحكم البرلماني حيث تشكل الأغلبية البرلمانية الحكومة، أو تمثل جهازاً رقابياً مشاركاً بالحكم في ظل النظام الرئاسي، كما هو الحال عندنا _ حيث كان فوز «حماس» بالأغلبية التشريعية عام 2006 إعلاناً بازدواجية السلطة في ظل رئيس من «فتح» _ إلا أن الانتخابات المحلية عادة ما تمثل مؤشراً على المزاج الشعبي العام، أو «بروفة» للانتخابات البرلمانية أو العامة، وحتى في برامج الأحزاب التي تتطلع للسلطة بشكل استراتيجي، أي حين تكون في أول تشكيلها فإنها، تذهب للحكم المحلي لتؤسس عبره قواعدها الشعبية، توطئة للذهاب إلى السلطة البرلمانية.
وهناك كثير من الشعوب أو الأقليات، بحكم وضعها السياسي تكتفي بالحكم المحلي، الذي يكون أساساً للحكم الذاتي، كما هو حال جزء غال ومهم من شعبنا الفلسطيني الذي يعيش في ظل دولة التمييز العنصري داخل الخط الأخضر، حيث إن القيادة الوطنية للمجالس المحلية كانت وما زالت تعتبر مصدّاً ضد الأسرلة، وحامياً للهوية الوطنية / القومية.
كذلك ما زالت الذاكرة تحتفظ بالدور الوطني العظيم الذي سطره شعبنا الفلسطيني، خاصة في مدن وقرى الضفة الغربية في سبعينيات القرن الماضي، حين خاض معركة الانتخابات المحلية في ظل الاحتلال وفاز بها عبر قوائمه الوطنية لدحر مخطط روابط القرى حينها.
في هذا العام، طرحت فكرة إجراء الانتخابات المحلية في عموم الوطن الفلسطيني، ليشمل كل مجالس الحكم المحلي في مدن وقرى دولة فلسطين تحت الاحتلال، رغم أن برنامج الانتخابات أو قانون الانتخابات لا يشترط هذا، وذلك محاولة من القيادة الفلسطينية، لدحر الإحباط واليأس جراء تعثر المصالحة وإنهاء الانقسام، أي كخطوة على طريق إنهاء الانقسام وزج الوطن الفلسطيني بأسره في دائرة من العرس المحلي، تقول بوحدته، أو تعزز فكرة الوحدة في مواجهة واقع الانقسام، لكن إصرار حركة «حماس» على «المحاصصة» وعلى شراكة الحكم، فهي تقترب من «فتح» على طريق إنهاء الانقسام، شرط أن تتوافق «فتح» معها على اقتسام كعكة الحكم سلفاً، أي أنها لا تقبل بنتائج الانتخابات، ولا تنظر لها على أساس أنها استحقاق شعبي، كذلك هي لا تحترم الإرادة الشعبية التي يتم التعبير عنها في صناديق الاقتراع!
لذلك وضعت العراقيل في طريق لجنة الانتخابات، ومنعت إجراءها في قطاع غزة، فكانت القيادة الفلسطينية أمام خيارين أحلاهما مر: إما الإقرار باستحالة إجراء الانتخابات المحلية في كامل الوطن الفلسطيني في نفس الوقت، أو عدم إجرائها. وعدم إجرائها يعني أن يبقى الواقع الشعبي ساكناً ينتظر نزول السحابة من السماء، خاصة في الضفة الغربية التي تحتاج تفعيل القاعدة الشعبية على طريق مواجهة الاحتلال، لذا فإنه في الوقت الذي يخوض فيه المناضلون في خندق المواجهة الأول معركة الإضراب العظيم، يقوم الشعب بإسنادهم بالانتخابات المحلية، حتى يمكن للقيادة المحلية التي تتمتع بثقة واحترام الجمهور القيام بتحريك الشارع في تظاهرات شعبية مطلوبة خلال هذا العالم الذي يفترض فيه أن يكون عام إنهاء الاحتلال.
صحيح أن أكثر من نصف المجالس المحلية تم التجديد لها بالتزكية، لكن إجراء الانتخابات في 145 مجلساً محلياً حقق مشاركة أكثر من نصف الناخبين، وفي الواقع فإن أكثر من 400 ألف مواطن مارسوا حقهم الانتخابي وخرجوا من بيوتهم ليقوموا بفعل وطني، وهذا يعني تشجيعهم على أن يقوموا بخطوات تالية، في سياق المشاركة في تحرير وطنهم وبنائه وتنميته.
كذلك فان فوز 65% من القوائم الانتخابية المستقلة مقابل 35% للقوائم الحزبية، يعني أن شعبنا الفلسطيني، يتطلع إلى أن ترتفع الفصائل والأحزاب عن الاعتبارات الحزبية الضيقة، لتعلي من شأن الوطن، خاصة في كل ما يخص خدمة الوطن والمواطن.
ورغم أننا ندرك أن حركة مثل «فتح» وحتى «حماس»، هما حركتان شعبيتان لهما وزن جماهيري عادة ما تستثمرانه عبر «المستقلين»، أي أن المستقلين عادة ما يكونون متعاطفين مع «فتح» أو «حماس»، إلا أن المستقل أيضاً غير محكوم بالموقف الحزبي الفصائلي عند التصويت والأداء داخل المجلس المحلي. أي أن فوز الأغلبية من المستقلين يعني «تحرير» الحكم المحلي من التبعية المباشرة لـ»فتح»، هذا على اعتبار أن نظام الحكم السياسي في الضفة الغربية هو فتحاوي.
ثم ولآخر لحظة، ومع إعلان نتائج الانتخابات الحرة والنزيهة، فإن لجنة الانتخابات بقيت تتحلى بالروح الوطنية العالية، حيث أعلن رئيسها الحصيف الدكتور حنا ناصر عزم اللجنة التوجه لحركة «حماس» للسماح بإجراء الانتخابات المحلية _ تالياً _ في قطاع غزة.
لم تلتقط «حماس» المبادرة بمسؤولية، فسرعان ما رد سامي أبو زهري الناطق التوتيري لـ»حماس» بالقول: إنه لا عودة للانتخابات المحلية في ظل ما سمّاه فشل لجنة الانتخابات باحترام القوانين!
أقل ما يمكن أن يقال على هذا الرد: إنه غير مسؤول، وإن واجب الشعب الفلسطيني في غزة إزاءه أن يخرج من صباح الغد ليطالب بحقه في إجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة.