رسائل رمضان شلح العربية

thumbgen (19).jpg
حجم الخط

عندما يخطب الأخ رمضان شلح فإن الموقف الذي يعبر عنه يكون متميزا كحال تنظيم "الجهاد الاسلامي" الذي يجتهد لإبقاء راية فلسطين والقضية عالية على ما سواها من نزاعات وخلافات سلطوية، كما نأمل دوما، ويظهر التنظيم أنه لا يخوض بشكل مباشر في الخلاف الفلسطيني الداخلي، محاولا أن يقف على مسافة واضحة بين حركة "فتح" و"حماس" وهما التنظيمان الأكبر في فلسطين حتى الآن.

للجهاد الإسلامي مكانة خاصة لدى كوادر حركة "فتح"، فالكثير من أبناء "الجهاد الإسلامي" ومؤسسيه كان لهم علاقات تنظيمية ونضالية مع حركة "فتح" ما أسس لاستمرار مكانة التنظيم المحببة، رغم مواقف "الجهاد" المناهضة في عدد من الأحيان لحركة فتح.

والحال مع "حماس" التي تحكم غزة اثر انقلابها عام 2007 أنها تتقبل وجود "الجهاد الاسلامي" وإن على مضض، لتاريخ النزاع العنيف القديم بينهما على قاعدة التمثيل "للاخوان المسلمين"، إلا أنها اليوم ورغم التوترات بينهما علاقات مقبولة.

الفكرة العامة حول "الجهاد الإسلامي" أنه تنظيم فلسطيني مرتبط اقليميا بما يسميه "محور المقاومة والممانعة"، وهو لا يوغل بالفهم العقدي الديني ولا يعكسه على مواقفه السياسية، بدلالة الارتباط السياسي بالرؤية الايرانية للصراع في المنطقة ، بمعنى أن التنظيم لا يحتفظ بإرث التخويف من (الشيعة) الذي تجده عند التنظيمات الاسلاموية الأخرى.

الفكرة المذهبية لا تعني شيئا باعتقادي للجهاد الاسلامي لذلك فإنه يقرر سياساته وفق معطيات (الرؤية) التي يحملها والتي لا يرى فيها غضاضة أن يتجاوب مع الطروحات السياسية للمحور الإيراني المناهضة للمحور العربي.

قد لا نفهم شدة الولاء الذي يبديه "الجهاد الاسلامي" للمحور الإيراني الذي يحمل المذهب على جناح السياسة، إلا في سياق الارتباط بالرؤية النظرية الواحدة لمصير المنطقة وقضية فلسطين، وفي سياق الحسم باتجاه المحور الذي تراه "الجهاد" محورا نضاليا ثوريا مقابل محور الاستسلام بالمنطقة، وقطعا لسبب التمويل المباشر وماله من تأثير في السياسات لغالب التنظيمات.

كان رمضان شلح قد هاجم السلطة الفلسطينية علنا في مؤتمر القدس في طهران، وما بعده، وها هو يعود بذكرى النكبة 69 ليكرر تمايز فصيله الواضح عن المسار السياسي الفلسطيني الرسمي، وعن وثيقة "حماس" الجديدة، وتمايزه بالابتعاد كثيرا عن المحور العربي إلى الدرجة التي يقطع معه شعرة معاوية.

يتهم شلح العرب بـ(الكرم والنسيان) بشكل تهكمي، في مقاربته لزيارة (ترامب) الى السعودية، الذي يستقبله -حسب شلح- حشد من (معظم زعماء المنطقة( موصفا الاستقبال أنه (على نحو كرنفالي غير مسبوق)، والى ذلك يطعن بشكل مباشر ويغالي ويتطرف في طرحه حين يقول عن (ترامب) أنه في سياق كرم العرب ونسيانهم (ربما يفاجأ الضيف بأن مضيفيه قد نسوا فلسطين والقدس والأقصى ... دون أن يدركوا أن من يفرط بالقدس يفرط في مكة).

ويتزيّد شلح بعرض ما أسماه (الكرم العربي) متهكما بأن ترامب قادم (لأخذ الجزية من بعض العرب والمسلمين)، وهو إذ يرى في الزيارة نذير شؤم وبداية (لدمج "إسرائيل" كدولة طبيعية مهيمنة في المنطقة ... وتقسيم وتفتيت دول عربية مركزية على أسس طائفية ومذهبية وعرقية ، بما يسوغ ويشرع وجود "إسرائيل" كدولة يهودية)، فإنه لا يشير بالمقابل للاعبين الآخرين من محاور تفتّت علنا المنطقة، كالمحور الروسي والمحور الإيراني وهي المحاور العالمية والإقليمية والتي يندرج ضمنها النظام السوري البشع، الذي أشار له ك"دولة مركزية"، ودون أن يتطرق للعمق السياسي الطائفي للصراع من قبل المليشيات المدعومة ايرانيا في سوريا والعراق واليمن.

إننا نتفق مع شلح بأن المستفيد الأول من تفتت العرب هم الصهاينة، وعليه بدلا من أن يقوم بالدعوة لوحدة الأمة العربية والتقريب بين دول الإقليم عامة، فإنه يتعمد مهاجمة العمق العربي ما هو بالنتيجة خدمة لمحور آخر يضيق فيه على نفسه الخيارات ويحشر ذاته في مقاربة ضارة بالأمة.

في المسار الفلسطيني يعلن شلح تمايزه عن سياسة المنظمة والسلطة طاعنا بهما في سياق الهجوم المكرر فيها أسماه حديثا (عش التنسيق الأمني المقدس) (بعد فشل خيار التسوية الذي سلكته منظمة التحرير، للحصول على دولة فلسطينية في حدود عام1967، من خلال الاعتراف ب"إسرائيل" والتفاوض معها، ووصوله إلى طريق مسدود)، وأيضا دون الإشارة البتة للمنع الصارم للعمل العسكري من قطاع غزة، ما هو بالحقيقة لب ما أسماه (عش التنسيق الأمني المقدس).

شلح لا يرى حلا للقضية إلا بسحب الاعتراف ب"إسرائيل" والخروج من مسار "أوسلو"، وهو برأينا المسار الذي دخلته "حماس" مؤخرا عبر وثيقتها الجديدة رغم ما تقوله معاكسا.

نؤكد ما ذهب إليه الأخ رمضان شلح بضرورة صياغة (ميثاق وطني فلسطيني جامع يحفظ حقوقنا التاريخية والقانونية في فلسطين) ويضبط مسيرتنا إضافة (لتوفير متطلبات الصمود والبقاء ، وتفعيل الانتفاضة وتصعيدها).

يقول الأمين العام للجهاد الإسلامي: (لا يملك أحد على وجه الأرض أن يلغي فلسطين حتى لو بقي فلسطيني واحد في هذا العالم. سنظل نقول: لا «لإسرائيل» لأنها تعني, نعم لفلسطين, كل فلسطين.. فهي وطننا قبل النكبة وبعدها.. بالأمس واليوم وغداً).

إن التأكيد المتكرر على (التحرير الكامل لفلسطين) (مهما كان الثمن والتضحيات) كما قال شلح هو رسالة واضحة ل"حماس" على اعتبار ما ورد في وثيقتها من القبول بالدولة الفلسطينية على أرض 1967 ، وهي رسالة نقبلها كحركة وطنية في إطار الوعي التعبوي الايديولوجي الذي يحركنا جميعا، ولكنها ليست مفهومة كتعامل في ظل النظرة الواقعية السياسية، والعملانية، وصراع القوى والمحاور والذي منه محور ايران الذي يحشر شلح فيه تنظيمه دون أي أفق لتغليب الإقليمي الإسلامي الجامع على الفئوي المصلحي والسياسي المذهبي أبدا.

إن رسائل الجهاد المتكررة تحاول أن تقدم ذاتها للشعب الفلسطيني وللعرب والعالم كوريثة "المقاومة والممانعة" وهو المحور الذي اندثر ما بين فعل طائفي ومذهبي مقيت، وبين شعارات نظرية لا تغني ولا تسمن ولا تحرك ساكنا، وبين نزاعات سلطوية فاقت قدرة المحور على القفز عنها فغرق في مستنقعها وبقي الجهاد الإسلامي يصرخ وحيدا.