رحلة دونالد ترامب الى الشرق الاوسط، بالضبط في الوقت الذي تنال مسيرة تآكل مكانته في الداخل الزخم، هي درس مفيد في فهم آلية الاواني المستطرقة، بين القوة والصلاحية الأميركية الداخلية وبين مكانة الولايات المتحدة على المستوى الدولي. بيل كلينتون هو الآخر شهد معضلة مشابهة في العام 1998، لدى زيارته القدس، في الوقت الذي وقف أمام التصويت على العزل في الكونغرس في قضية مونيكا ليفينسكي.
لقد ضعف ترامب جداً بسبب سلوكه الغريب حيال الروس، غروره في اقالة رئيس الـ»اف.بي.آي»، وعدم قدرته على الاعتراف بحقيقة أن كل رئيس أميركي يسعى الى تثبيت القوة والصلاحية ملزم بالحفاظ على منظومة التوازنات والكوابح في واشنطن. أما الارتجال والخطاب الشعبوي، فقد يكونان جيدين للانتخابات ولكنهما لا يكفيان من أجل الحكم في الديمقراطية الأميركية، ولا سيما عندما يكون هناك ميل للتورط.
ان حقيقة أن وزارة العدل قررت الشروع في تحقيق ضد ترامب اضافت الى التآكل في الثقة به. 36 في المئة من الأميركيين فقط – وهذا درك أسفل تاريخي – يقولون، هذا الاسبوع، إنهم يؤيدون رئيسهم. لقد منح ترامب ريح اسناد للصحافة التي تنفر منه، بل فقد مراكز تأييد حرجة بين الجمهوريين في تلة الكابيتول. اذا ما بقي على قيد الحياة، فانه حتى وان تمكن من التملص، الا ان الجميع يشمون الآن ضعفه – والرائحة تصل ايضا الى شارع بلفور في القدس، حيث الترددات الشديدة التي لم تحسمها اسرائيل نفسها فيما اذا ترامب قوي ام ترامب ضعيف أفضل لها.
لا شك أنه حيال ضعفه في الداخل أصبح تعلق الرئيس الأميركي باللاعبين في الشرق الاوسط أكبر، ومن المعقول، بسبب طبيعته ايضا، أن يتخذ خطوات غير مخطط لها كي يعظم جهوده. في الشرق الاوسط يسأل كل الزعماء كيف يمكن أن يتضرروا او ينتفعوا من ضرر ترامب، وهذه المسألة حرجة على نحو خاص في القدس وفي بيت لحم.
نظريا من شأن ضعف ترامب ان يدفع اللاجئين الى تشديد المواقف ورفع سقف المطالب. ولكن يحتمل أن بسبب ضعفه بالذات ستنخفض الاسعار كون اي من اللاعبين لا يريد أن يتخذ صورة من ساهم في ضعف اضافي للرئيس الأميركي. اضافة الى ذلك، من المتوقع أن يحقق السعوديون والمصريون ربحا كبيرا من حصانة ترامب. فالسيسي تلقى اعترافا متجددا في واشنطن، بعد أن كان مقصيا في عهد اوباما، والملك السعودي يحظى بتأييد استراتيجي أميركي في مواجهة الايرانيين، وعلى رأس ذلك الالتزام بصفقات سلاح بـ 110 مليارات دولار.
معضلة حصانة وضعف ترامب صعبة على نحو خاص لبنيامين نتنياهو. فالخطاب المتغير للرئيس الأميركي في الموضوع الاسرائيلي - الفلسطيني يهز اليمين الاسرائيلي الذي حوّل ترامب في غضون بضعة اسابيع من مسيح منقذ لـ»بلاد اسرائيل» الى «تراجيديا» اسرائيلية، كما وصفته الصحافية اليمينية كارولين غليك. مشكلة نتنياهو في أن يعرف بشكل واضح ما هو مدى الربح والخسارة حيال الادارة الحالية في واشنطن، من شأنها أن تدفعه ليتبنى موقفا ليس واضحا على الاطلاق اذا كان مستعدا له.
مثلما في الماضي، ففي زيارة الرئيس الحالية ايضا، يعتمد بيبي على الرفض الفلسطيني؛ والفلسطينيون بشكل عام يخيبون أمل اليمين الاسرائيلي. ولكن ترامب، الذي يعول على انجاز مهم يمكنه أن يبرز حصانته الزعامية في مواجهة فشل اسلافه في البيت الابيض، لن يتنازل بسهولة. اذا جلب معه الى القدس وبيت لحم اسنادا كاملا من «العالم السني» لتسوية سلام تاريخية، فستصل الدراما في بلفور ذروة جديدة – ومن شأن اسرائيل ان تجد نفسها منجذبة ايضا الى الجدال الداخلي الأميركي على مستقبل الرئيس.
عن «يديعوت»
طريق ترامب إلى الشرق الأوسط
31 يناير 2025