يبدو أن إعادة انتخاب بنيامين نتنياهو رئيساً لحكومة يمينية إسرائيلية أكثر تطرفاً من سابقاتها، قد شد من أزر حركة حماس في غزة، ورفع معنوياتها التي انخفضت كثيراً منذ نحو عامين، أي منذ سقوط حكم أشقائها، الأخوان المسلمين في مصر، ويبدو أن مكانة "حماس" وأهمية وجودها وبقائها مسيطرة على قطاع غزة، أمر هام للغاية، بل إنما هو خيار ربما لا نبالغ لو قلنا انه استراتيجي بالنسبة لليكود وزعيمه نتنياهو، لدرجة أن لا يضحي فقط بحليفه خلال دورتي كنيست وعبر حكومتين سابقتين، ونقصد بذلك بالطبع أفيغدور ليبرمان وحزبه "إسرائيل بيتنا" وحسب، بل وان يقبل بالثمن الباهظ لذلك، والمتمثل بتشكيل حكومة مهددة بالسقوط في أية لحظة، حكومة حافة الهاوية، كما وصفناها في مقال سابق، حكومة بأغلبية عضو كنيست واحد، وذلك لأن ليبرمان طالب مقابل مشاركته في الحكومة، بأن يتضمن برنامجها، هدف إسقاط حكم حماس في غزة !
بالمقابل، راهنت حركة فتح والرئيس محمود عباس على حدوث انقلاب في إسرائيل يضع حداً لحكومات اليمين المتتابعة، منذ نحو عقد ونصف، وقد لعب الرئيس شخصياً دوراً مهماً في الخروج بقائمة عربية موحدة، كما أنه ومنذ توليه المسؤولية قبل نحو عشر سنوات، وهو يقوم "بترميم" ما أحدثه التصادم العسكري منذ عام 2000 بين الجانبين، ومحاولة احتواء النمو المتواصل لليمين الإسرائيلي، مقابل التآكل المستمر لليسار منذ ذلك الوقت، وقد نجح إلى حد كبير، حين اقترب المعسكر الصهيوني عشية انتخابات الكنيست العشرين، كثيرا من إحداث الانقلاب، مع عوامل مساعدة خارجية، منها حالة عدم الود بين نتنياهو والبيت الأبيض.
إن حجم التداخل والتقاطع في معادلتي السياسة الداخلية، الفلسطينية والإسرائيلية، لا يبدد فقط "وهم" المجابهة القطعية، أو وهم التوحد الداخلي، على أساس وطني أو قومي، وحسب، ولكنه يؤكد أن الصراع الفلسطيني / الإسرائيلي، خاصة مع وجود نحو مليون ونصف مواطن عربي / فلسطيني كمواطنين إسرائيليين، من حيث حقوق المواطنة السياسية والمدنية، وفي الوقت ذاته كفلسطينيين وعرب من حيث الهوية والثقافة والانتماء، كذلك وجود نحو مليون مستوطن إسرائيلي / يهودي، على أراضي القدس والضفة الغربية، يمنع وجودهم هذا، التوصل إلى حل بين الجانبين على أساس الدولتين، فيما يتواجه التجمعان على طرفي التناقض السياسي داخل إسرائيل، وهذا يعني بان "أفقا" مختلفا للحل يلوح في الأفق، وان قدرة احد الطرفين، بعد سبعة عقود من الصراع، بشقيه: العسكري (عبر الحروب) والسياسي عبر المفاوضات، على نفي أو فرض الحل الذي يريده على الطرف الآخر أمر غير ممكن!
لا يمكن لأحد أن يتنبأ أو يتوقع ما سيحدث في المستقبل القريب، مع عودة التراشق الإعلامي بين حركتي فتح وحماس، بما يعني فشل إعلان الشاطئ، وعجز الطرفين عن وضع حد للانقسام، حتى بوجود حكومة التوافق بينهما، والذي بدد ما لاح من بارقة أمل بعد لقاء موسى أبو مرزوق وعزام الأحمد في بيروت وبحضور نبيه بري، مع تبدد مبادرة جيمي كارتر حيث رفض الرئيس عباس مكة 2، في حين رفضت "حماس" مجددا منح كارتر ورقة خطية بالموافقة على إجراء الانتخابات كمدخل لإنهاء الانقسام !
لكن مع ذلك يمكن القول بأن نتنياهو يراهن على صمود حكومته مدة عام فقط، في انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفي تقدير منه بان الصراع الطائفي في المنطقة سيتأجج مع الدخول الحثيث والمباشر للدول الإقليمية: إيران، السعودية، مصر وتركيا، فيه وفي أكثر من موقع: من اليمن إلى العراق وسورية، بما يعني عدم الاهتمام بالملف الفلسطيني ولا بأي شكل، وبذلك يصبح هذا الملف بندا على قائمة الانتظار، انتظار ما سيسفر عنه فك وإعادة ترتيب المنطقة على أساس الانقسامات الجغرافية / المناطقية والطائفية.
أما "حماس" فقد تأكدت مجددا بأن إسرائيل / نتنياهو لا تنوي الإقدام على إسقاط حكمها في غزة، وبعد رفض نتنياهو مطلب ليبرمان، جاء اعتبار ما يسمى بقائد المنطقة الجنوبية سامي ترجمان قبل أسبوع، من أن استمرار حركة حماس في السيطرة على قطاع غزة ضروري لاستمرار الأمن والاستقرار !
ويبدو أن الطرفين (نتنياهو وحماس) ينتظران أيضا بعد مرور الوقت اختفاء الرئيس محمود عباس عن خشبة المسرح السياسي، إن كان بشكل طبيعي، بحكم تقدمه في السن، أو بفعل قسري كما فعل شارون مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، حين تجيء اللحظة المناسبة، وما يشجعهما على ذلك، كون سلطة فتح معلقة بشخص الرئيس، والذي غيابه يعني انتقال كل السلطة لحركة حماس!
مثل هذا السيناريو الذي يلتقي فيه برنامج اليمين الإسرائيلي مع تطلعات "حماس" يتعزز حتى من الجهة الجنوبية لقطاع غزة، فرغم أن مصر تقوم بتفريغ المنطقة الحدودية لتحقيق أهداف أمنية، إلا أن النتيجة تصب في هذا الاتجاه، ذلك أن تفريغ مسافة 3 كيلو مترات حتى الآن، نجمت عنه إزالة رفح المصرية، واستمرار هذا التفريغ قد يصل بحدوده إلى بئر العبد أو حتى للعريش، وهي المجال الحيوي / الهدف لتوسيع قطاع غزة، لإقامة دولتها الفلسطينية المنشودة كبديل عن دولة الضفة والقدس والقطاع، دولة حدود العام 67 .
يبقى مع ذلك وجود مستوى من المناكفة بين "حماس" وإسرائيل، فـ "حماس" تسعى لإجبار إسرائيل على اختيار واحد من الخيارات الأربعة التي تحدث عنها ترجمان، وهو خيار التفاوض معها، لكسر الحصار عبر فتح ميناء ومطار، واتصال القطاع بالخارج، وليس بمصر فقط، لكن المشكلة أن إسرائيل تحتاج لوقت والى متغيرات إقليمية والى لحظة مناسبة للذهاب إلى هذا الخيار، والأهم إلى أن تضمن أن يمر مثل هذا الاتفاق ولا يلقى مصير اتفاق أوسلو، ومن يدري، ربما وكما حدث بعد حرب العام 73، أن يمر مثل هذا الاتفاق بعد تفاوض امني في البداية، بعد حرب أو معركة أخيرة بين الجانبين، لكن مع ضرورة أن تقر السلطة في رام الله بواقع الانقسام نهائيا، أو أن يتم إسقاطها بتعجيل أو حتى بانتظار أن يصبح مقعد رئيس السلطة شاغراً!