على إسرائيل أن تقلق!

رجب أبو سرية.jpg
حجم الخط

ربما كانت المرة الأولى، أو على الأقل واحدة من المرات النادرة التي تسيء فيها إسرائيل، بمؤسساتها وحكومتها وأحزابها التقدير السياسي؛ ذلك أن معظم أركان الحكم في الدولة العبرية أخذوا التصريحات الانتخابية لدونالد ترامب مرشح الرئاسة الأميركية عن الحزب الجمهوري، قبل بضعة أشهر، على محمل الجد، وعلى أنها ستكون سياسة البيت الأبيض في عهده، وذلك بعد أن فاجأ الدنيا كلها وفاز في انتخابات كانت كل استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم منافسته المرشحة عن الحزب الديمقراطي، لدرجة أن بعض أحزاب اليمين الإسرائيلي حضروا أنفسهم، وربما كانوا سيقترحون المنزل الذي سيقيم فيه السفير الأميركي في القدس.
يبدو أن شغف الرئيس ترامب في فعل عكس كل ما فعله سلفه باراك أوباما، بدأت تظهر ملامحه على السياسة الخارجية للبيت الأبيض، بعد مرور نحو أربعة أشهر على تولي الرئيس الخامس والأربعين مهامه الدستورية، فقد سعى أوباما للتقارب مع العالم الإسلامي في بداية عهده بالكلام، كما أنه باع الفلسطينيين لغواً، حين أشار إلى أن دولة فلسطين ناقصة في المجتمع الدولي، وأنه سيعمل على إنشائها، ولم يفعل عملياً وعلى أرض الواقع شيئاً، أما ترامب فقد باع الإسرائيليين الكلام حين كان مرشحاً، وها هو على أرض الواقع يبحث عن المصالح الحقيقية للولايات المتحدة.
أولاً وقبل كل شيء، على الجميع أن يدرك أن عالم السياسة متحرك، وحتى وإن كنا ما زلنا نظن بأن إسرائيل ما زالت تمثل حليفاً إستراتيجياً للولايات المتحدة، إلا أنه في السياسة تتغير المواقف داخل البلد الواحد وبين الأحزاب، فإسرائيل أيام الحرب الباردة هي الآن غيرها، كما أنه لا يمكن لإسرائيل أن تواصل الادعاء _ الآن _ بأنها تواجه خطراً وجودياً، يحول بينها وبين الانسحاب من الأرض الفلسطينية وحتى العربية المحتلة، ومع مرور الوقت باتت إسرائيل تشكل عبئاً سياسياً على الولايات المتحدة، يقلل من هيبتها ومن مكانتها كدولة تقود العالم حين تضطر للجلوس مع عدد محدود من الدول عند التصويت في الجمعية العامة على مشروع قرار خاص بفلسطين أو حين تضطر منفردة أن تتخذ حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار مشابه في مجلس الأمن.
في كل ملفات الإقليم التي كانت تواجه أميركا فيها استحقاقات تدعوها للتدخل عسكريا، ما كان يمكنها أن تعتمد على إسرائيل في شيء، لا في العراق ولا سورية ولا ليبيا، بينما كان يمكنها وما زال يمكنها الاعتماد على حليفاتها العربيات من السعودية ودول الخليج عموماً، إلى مصر والأردن، كذلك فإن الولايات المتحدة وفي عهد ترامب تقترب من تحديد أولويات سياستها الخارجية والتي تتمثل _ برأينا _ بطي ملف الإرهاب بسحق ما تبقى من «داعش» في العراق، ثم مواجهة التحدي الكوري الشمالي وإيران.
وفي مواجهة الإرهاب في المنطقة وإيران، لا يمكن لأميركا أن تعتمد خاصة بشكل مباشر على إسرائيل في شيء، لكنها تحتاج العرب والمسلمين جداً، لذا فإن اختيار ترامب للسعودية لتكون أولى محطاته الخارجية، يعني بأنه قد جعل من العالم الإسلامي بمعظمه السني / المعتدل والذي يمثل نحو مليار إنسان، كذلك يشكل ثقلاً اقتصادياً هائلاً، حليفاً فعلياً، ربما يكون حليفه الثاني بعد أوروبا، لكن التحالف كما _ الحب _ لا يكون من جانب واحد، فلا بد لترامب من أن يقدم شيئاً لهذا الحليف.
التحالف بين الطرفين لدحر الإرهاب ومواجهة إيران، يحقق هدفاً مشتركاً، لكن العرب بحاجة حتى يجنبوا أميركا التدخل المباشر أو حتى المشاركة المباشرة في «الناتو العربي» إلى أن تتقدم بالملف الفلسطيني / الإسرائيلي، خاصة أن العرب والفلسطينيين لا يطالبون في هذا الملف برأس كليب، فالعرب يعرضون منذ خمسة عشر عاماً تطبيعاً كاملاً مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأرض الفلسطينية، والفلسطينيون يطالبون بدولة مستقلة على أراضي 67.
أما إسرائيل فقد تحولت منذ العام 2000 إلى دولة محكومة بأقصى اليمين الذي يعيش في أوهام الماضي، ولا يتحلى بأي واقعية سياسية، تتعامل مع المتغير السياسي الإقليمي والدولي، لذا فقد تفاجؤوا في إسرائيل حين اعتبر البيت الأبيض أن حائط المبكى جزء من الأرض المحتلة عام 67، وهذا يعني أن كل القدس الشرقية يراها البيت الأبيض أرضاً محتلة، ومن ذلك يمكننا أن نستنتج أن ترامب قد لا يجبر إسرائيل على القبول بحل ما، لكنه لن يتساوق معها في كل شيء، والأهم أنه يتساءل عن أي إسرائيل التي عليه أن يؤيدها  أو يتوافق معها؟!
لعل هنا مكمن ذكاء السياسة الفلسطينية التي ذكّرت ترامب، حين التقاه الرئيس محمود عباس في البيت الأبيض، بأن إسرائيل / إسحق رابين وقّعت اتفاقات أوسلو، وأن إسرائيل _ أيهود أولمرت عرضت الانسحاب من الأرض المحتلة عام 67 مع تبادل أراض بمساحة 6,5%، وأن الخلاف كان بين الطرفين يكمن في أن إسرائيل عرضت تلك النسبة فيما الجانب الفلسطيني وافق على 2% تبادل أراض.
فهل يمكن القول: إن نتنياهو وبينيت وليبرمان هم إسرائيل وأن إسحق رابين وأيهود أولمرت ليسوا إسرائيل؟ بعد ذلك يستغرب الإسرائيليون رفض ترامب مرافقة نتنياهو له بزيارته لحائط البراق وبيت لحم، ويحتجون على عدم تضمين خارطة إسرائيل الأراضي المحتلة (الضفة والقدس وغزة والجولان)، ليرد عليهم البيت الأبيض مطالباً إياهم بأن يقدموا له حدود دولة إسرائيل.
هنا مربط الفرس إذن، وحيث إنه يمكن أن يكون هناك حل، فليس بالضرورة مع نتنياهو وبينيت وليبرمان، بل ربما أن انطلاق المفاوضات فضلاً عن التوصل للحل يكاد يكون مستحيلاً في ظل حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف الحالية، فإن الأمور قد تأخذ منحى أن يقوم نتنياهو بحل حكومته والذهاب إلى حكومة وحدة مع إسحق هرتسوغ، أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة.