صدر قبل أسابيع قليلة مجموعة نصوص أدبيّة للأديبة الشّابّة نسب أديب حسين عن دار الأهليّة للنّشر والتّوزيع في عمّان، وتقع المجموعة التي صمّم غلافها زهير أبو شايب، ويحمل صورة لتمثال من صنع سوزان لوردي في 151 صفحة من الحجم المتوسّط.
معنى هجس في الصحاح في اللغة الهاجسُ: الخاطرُ. يقال: هَجَسَ في صدري شيءٌ يَهْجِسُ، أي حَدَثَ. والهَجْسُ: النبأةُ تسمعها ولا تفهمها.
والزّبد هو: ما يعلو الماء وغيره من الرغوة عند غليانه أو سرعة حركته.
يقول تعالى"فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ."
فماذا تعني أديبتنا نسب أديب حسين بعنوان كتابها هذا" هواجس الماء..أمنيات الزّبد"؟ فهل ما يجول في خاطرها مستمرّ متتابع كماء النّهر وموج البحر، رغم الزّبد الذي يعلوه، وأنّ هذا الزّبد عابر لا محالة؟
عرفنا نسب الأديبة الشّابة كقاصّة مبدعة، ممّا جعلها تفوز بقدرة واقتدار بجائزة نجاتي صدقي للقصّة، وجائزة فلسطين للابداع الشّبابيّ، لتصدر بعد ذلك يوميّاتها
"أسرار أبقتها القدس معي" فأدهشت قرّاءها من محترفي الأدب بتميّزها، وها هي تعود إلينا بمجموعة نصوص أدبيّة، "هواجس الماء...أمنيات الزّبد".
وفي هذه المجموعة لا يحتاج المتابع لكتابات نسب أديب حسين إلى كثير من الذّكاء؛ ليجد نفسه أمام أديبة تطوّر أدواتها بشكل لافت، وتطوّر لغتها ومضامين كتاباتها، وكأنّي بها تلتقط الأحداث مهما كانت فتكتبها بلغة شعريّة جميلة، تنحو إلى المباشرة أحيانا، وتنحو إلى الرّمزيّة أحيانا أخرى.
ونسب أديب حسين التي تغوص في مياه الأنهار والبحار، ترسم فلسفتها وفهمها للحياة، من خلال انتماء صادق وواع لوطن وشعب وأمّة.
فتبكي عمّها الشّاعر الرّاحل سميح القاسم، وتستمدّ من تراثه الشّعريّ صحّة انتمائها العروبيّ القوميّ، وتبكي أيضا مجد شعب منكوب عندما تجلس على شاطئ حيفا، تراقب فنّ العمار الذي تركه من شرّدوا من وطنهم، وتتألم عندما ترى غرباء يسكنونه، أو ترى أنياب جرّافات الهدم وهي تقتلع حضارة شعبها.
تجوب مكان مسقط رأسها في سويسرا عابرة سائحة، لكنّها مسكونة ببلدتها الرّامة الجليليّة، حيث نشأت وترعرعت، تماما مثلما هي مسكونة بالقدس التي تفتّحت عيناها فيها على الحياة.
وأديبتنا الشّابّة لا تمرّ على المكان مرّا عابرا، بل تغوص فيه مستذكرة عبقا تاريخيّا صادقا، وتراه شاهدا على سنن الحياة، لذا فهي تمعن النّظر في مياه البحر، باحثة عن درر مخبوءة في لجاج مائه.
هذه النّصوص التي نحن بصددها تمتع المتلقي لها بجمال لغتها ومخبوء جواهرها.