ترامب.. «لا صفقة» في الأفق!!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

غادر الرئيس الأميركي دونالد ترامب منطقتنا، تاركاً من خلفه سراب ما يسمى بالاختراق أو الصفقة على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، رغم الصخب الذي رافق جولته والقمم الثلاث في الرياض واجتماعه مع نتنياهو والرئيس عباس، ليس هناك من جديد يمكن الحديث عنه، ظلت المواقف والخطط والمبادرات ملتزمة بالتوقف عند اجتماعي قمة ترامب مع نتنياهو وعباس وتكرار ما نتج عنها من آمال بأن يصبح الرئيس الأميركي ترامب، هو الراعي لعملية سلمية تضع حداً للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، إلاّ أن ملامح مثل هذه العملية لم تتحدد بعد، والأغلب أن الرئيس ترامب توصل إلى نتيجة سبق لرؤساء أميركيين آخرين، خاصة سابقه اوباما، بأن الحل ليس سهلاً وان النوايا والرغبات تتوقف عندما يبدأ الخوض في المبادئ والمصالح والتفاصيل، ويمكن ملاحظة هامة في هذا السياق، ذلك أن ترامب لم يتحدث عن أية «وصفة» للحل، كما حدث في السابق عندما أشار الى أن الحل لا يكمن فقط في حل الدولتين، بل في حلول أخرى، أثناء حديثه في القدس وبيت لحم، لم يذكر أي شيء بهذا الصدد، لا حل الدولتين ولا أي حل آخر، مجرد أمنيات وآمال يعتقد ترامب، أنه تتجمع لديه من الصفات ما يجعله أكثر قدرة على تحقيقها، مقارنة بالرؤساء السابقين، ولعلّ الاستقبال الباذخ مالياً والمؤيد سياسياً لترامب في الرياض زاد من تعلق ترامب بهذا الوهم!
ورغم كل ما قيل عن تسريبات حول رؤية فلسطينية سيتقدم بها أبو مازن للرئيس ترامب، نشرت تفاصيلها على نطاق واسع، إلاّ أن ما تقدم به الرئيس الفلسطيني لم يخرج عن اطار الموقف الفلسطيني المعروف والمعلن: اعتماد حل الدولتين وحل قضايا الوضع النهائي على أساس قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الثنائية بين الجانبين، يضاف إلى ذلك التمسك بمطالب أسرانا الذين يخوضون إضراباً عن الطعام بهدف الاستجابة إلى مطالبهم الإنسانية العادلة.. إذن ليس هناك من جديد في اطار الموقف الفلسطيني، الأمر الذي يشكل مع أسباب أخرى، التأكيد على أن «اختراق» ترامب أو «صفقته» لم يحن الوقت لإتمامهما، وبقاء الوضع في حالة انتظار!
على الجانب الآخر، الإسرائيلي، ليس هناك من جديد، أيضاً، تمسك بالثوابت الإسرائيلية التي أدت على الدوام، إلى إفشال أي جهد حقيقي للتوصل إلى عملية تفاوضية تؤدي إلى حل نهائي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية، ولعلّ الجديد في هذا السياق يتعلق بإنجازات ترامب المبهرة في الرياض، والمتمثلة أساساً بإزاحة إسرائيل باعتبارها عدواً تاريخياً محتلاً للأرض العربية في فلسطين والجولان، إلى عدو وهمي آخر، يتمثل في إيران، والحلف المتشكل عربياً وإسلامياً برعاية وقيادة أميركية ومشاركة إسرائيلية في إعلاء شأن المواجهة والتصدي لإيران مع تجاهل ما تمثله إسرائيل من إرهاب واحتلال التي باتت شريكاً في تحالف يزور الواقع تسهيلاً لمهمة ترامب في إنجاز صفقته الموعودة، وهذه المرة من خلال مؤتمر إقليمي، يشكل منصة لإطلاق عملية سياسية تبدأ بالتطبيع والاعتراف بها وتنتهي بحل يفرض فرضاً على الجانب الفلسطيني يصادر حقوق الشعب والوطن والقضية.
الجانب الإسرائيلي، ظهر مشوشاً ومرتبكاً قبل الزيارة وأثناءها، بالشكل والتنظيم والمضمون. وسائل الإعلام الإسرائيلية عكست هذه الحالة بوضوح على أنها لم تتعامل بالجدية المطلوبة والرصانة المعهودة التي تعاملت بها عادة في أحداث ومناسبات مشابهة، وخلصت إلى أن لا جديد يمكن الحديث عنه، مع أن «معاريف» ربما تكون قد خرجت عن هذا الانطباع عندما توصلت إلى أن الجديد هذه المرة، أن ترامب توصل إلى قناعة إلى أن لا شريك لديه في إسرائيل إذا ما أراد أن يعقد صفقة مع الجانب الفلسطيني، وعلى نتنياهو أن يدفع الثمن إذا أراد أن يلتحق بركب الحلف المعادي الجديد لإيران، من خلال الاستجابة لطلبات وشروط ترامب لتسهيل مهمة هذا الأخير بإنجاز صفقة تاريخية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، يتجاوز من خلاله كل الفشل الذي أصاب رؤساء أميركا السابقين ودخول التاريخ من بوابة وضع حد للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي!
اهتمت وسائل الإعلام الإسرائيلية، بمشكلات التنظيم والتخطيط لجولة ترامب وعائلته، من دون أن تتعمق بقراءة سياسية لهذه الجولة، وتوقفت عند الأخطاء التي ارتكبها بعض القادة والمسؤولين، وكذلك زوجة نتنياهو ـ سارة، ودخلت بتفاصيل هذه السلوكيات، وكأنها بذلك تستعيض عن التغطية السياسية، بهوامش وصغائر الجولة، بالنظر إلى عدم توفر ما هو جديد عملي في اطار الجولة السياسي، وربما سيظل الحديث عن هذه الهوامش والصغائر والشكليات إلى مدى أطول مما ينبغي، في ترجمة حقيقية لأقوال سارة نتنياهو، من أن الإعلام والصحافة لا يحبون «آل نتنياهو»، وهو القاسم المشترك مع «آل ترامب» في أميركا، وهو أحد أهم الأمور التي تجمع بين العائلتين!