يتحدث رئيس الحكومة عن عاصمتنا الأبدية، ويعلن ببطولة «حائط المبكى سيبقى الى الأبد تحت سيادتنا». تؤدي مئات القبعات المنسوجة التحية له. ومن يلبسونها يعتبرون أنفسهم ممثلي التاريخ اليهودي، وأنهم يقومون بشق الطريق لانبعاث اسرائيل. أعتقد أنهم يجعلون رائحة القدس الخاصة بي نتنة، وهي المدينة التي وجود الأغيار فيها قبل احتلالها في العام 1967، هو الذي منحها سحرها الذي فقدته منذ زمن.
الطلاب الإسرائيليون، الذين يقومون بزيارة العاصمة، يتشربون الاكاذيب بأن أجراس المُخلص قد جاءت مع المحتلين. أما أنا فأشعر بأن مدينتي تم الاعتداء عليها. القدس بين الاعوام 1948 – 1966 كانت مدينة رائعة، مليئة بالتناقضات السياسية والاجتماعية والرياضية أيضا. نحن خريجي الحركة الموحدة كنا أصدقاء لخريجي بني عكيفا، وبناتهم غنوا ورقصوا مع الأولاد دون الفصل الموجود الآن.
في حي المصراره، معقل الفهود السود، كنت ألتقي من خلال صديقي الطيب دافيد بن هاروش مع سعاديا مارتسيانو، وكنا نذهب معا لمشاهدة كرة القدس (يساريون يشجعون بيتار). وفي طريقنا الى جمعية الشبان المسيحية كنا نلتقي مع سكان شموئيل هنفيه وحي البخاريين، قبل أن تسيطر عليهم «شاس»، كانوا بيتاريين بالدم، معظمهم لم يعتمروا القبعات، لكن بعضهم كانوا يقضون صباح السبت في كنيس الحي.
لقد سكنا في حي نحلات أحيم، يمنيون واشكناز. الاصدقاء في الحركة الموحدة أحضروا الى الملعب يوسوفي وعمدي العربيين. وقد لعبنا معا وكنا نشتم بالكلمات ذاتها.
في أمسيات السبت كنا نذهب، نحن عشرات خريجي الحركة الموحدة وهشومير هتسعير، لأكل البوظة في مقهى اللنبي التابع لعائلة امنون دنكنر. وقد لاحظنا هنا وهناك صديقاتنا اللواتي خرجن من الحركة وانضممن الى صداقة الصالونات، التي كنا نسميها «شباب الذهب». كان شارع يافا يمتلئ بهتافنا «شباب الذهب، اذهبوا الى النقب».
المدينة التي لم يتم توحيد شطريها كانت مستقرة، صحيح أنه كانت فيها تناقضات اجتماعية وطائفية، لكننا جميعا ذهبنا الى دور السينما ذاتها، ومن أحياء مختلفة سافرنا معا الى المباريات الخارجية لـ «بوعيل القدس»، وفي مقهى فيينا كنا نتجادل مع مشجعي بيتار. الحريديون كانوا يعيشون كما هي الحال الآن، بشكل منفصل. وقد اعترفوا بشارع يافا كحدود تفصل بين أحيائهم وبين باقي اجزاء المدينة. وكنا نحب العمل هناك في الأعياد من اجل الشعور بأجواء المدن التي كتب عنها شالوم عليخم.
كانت القدس في حينه معقل التعددية والصداقة والبساطة وحب سكانها لأحيائها، رغم الاختلاف الكبير. سوق محنيه يهودا مثلا كان معقل حركة حيروت، لكن القبعات كانت قليلة فيه، والصراعات كانت لفظية، داخل العائلة فقط.
اختفت هذه المدينة الساحرة والملونة التي تأسر القلوب. في السبعينيات، في نقاش مع الحاخام تسفي يهودا كوك، أدركت أن حرب «الايام الستة» هي بداية الحركة الامبريالية التي تسعى الى انبعاث الشعب والبلاد.
كان في القدس دائما مسيحانيون خفيون، لكنها لم تخضع لهم، كانت روحها علمانية مع اضافة التقاليد اليهودية. الآن عندما يتم ابراز قدسيتها الزائدة وطوابير الجنود وهم يسيرون قرب «المبكى»، وتلتف المدينة بالقبعات، أشتاق الى القدس، مدينتي، التي تم أخذها وتحويلها الى معقل للأصولية وكراهية الآخر.
عن «هآرتس»