ترامب يجور على حماس

thumbgen (8).jpg
حجم الخط

 

بين غاضب وآسف ومصدوم، وقلة قليلة من المبتهجين، توزعت المواقف ازاء اتهام الرئيس الاميركي دونالد ترامب حركة حماس بالإرهاب، امام القمة العربية الاسلامية الاميركية، ووضعه هذه الحركة المقاومة في سلة واحدة مع المنظمات الاجرامية العمياء. وقد انسحب هذا الموقف الغاضب حتى على خصوم "حماس" ومعارضي سياساتها الانقسامية ورافضي خياراتها العدمية، ومنهم كاتب هذه السطور.
ذلك انه حين يحشر رئيس الدولة العظمى حركة فلسطينية ذات مواقف جذرية ضد الاحتلال الاسرائيلي، ويضعها في قائمة واحدة مع "داعش" والقاعدة، وغيرهما من التنظيمات الشيعية السوداء، فإن ذلك يسيء الى الكفاح الوطني الفلسطيني العادل والمشروع، والى الحق البديهي في تقرير المصير، حتى وان ارتكبت "حماس" اخطاء قاتلة، واستهدفت مدنيين على سبيل الانتقام، او لترهيب احتلال عسكري غاشم وبغيض، عمره نصف قرن.
غير ان ادانة واستنكار موقف دونالد ترامب، وكفى الله المؤمنين شر القتال، لن يقدم كثيراً او يؤخر قليلاً في سياسة اميركية دأبت على اعتبار كل حركات التحرر الوطني منظمات ارهابية مدانة على طول الخط المستقيم، فما بالك اذا كانت احدى هذه الحركات تتخذ الدين او القومية مرتكزاً لها، وتعتمده كأداة تحشيد وتعبئة وتثوير للجماهير، على نحو ما عملت على هديه دولة مثل الاتحاد السوفياتي السابق او بريطانيا، ضد الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية.
يزيد من وطأة هذه التهمة الفظيعة، التي كررها دونالد ترامب في القدس ضد "حماس" انها اتت عشية ما يبدو كتحول وشيك في مسار الحرب الدولية على المنظمات الارهابية المدرجة على قائمة مجلس الامن الدولي، وعلى المنظمات المرعية من جانب ايران، المستهدفة عياناً بياناً من طرف التحالف الجديد، بما في ذلك حزب الله غيره من فصائل الحشد الشيعي، لا سيما الفصائل المتورطة في الحرب المذهبية ضد الشعب السوري.
ويضاعف من خطر وضع "حماس" ضمن هذه القائمة، بجرة قلم واحدة، حتى لا نقول انه يفاقم وضع هذه المنظمة المحاصرة في قطاع غزة اكثر أكثر، تزامن هذه الوصمة مع تغير البيئة الاستراتيجية، وتشكيل التحالف الاميركي العربي الاسلامي، لمحاربة سائر مفردات هذه الظاهرة بمفهومها الاميركي الواسع، وربما دون اعتراض من جانب من وقع الاضطراب وعمت الفوضى في ديارهم، رغم ان المستهدف الاول من وراء هذا الحلف الاذرع الايرانية حصراً.
ويظل السؤال هنا؛ كيف لحركة حماس، وهي على ما هي عليه من حصار وعزلة وجفاف موارد واختناق، ان تنفض عن اكتافها هذه الوصمة الوضيعة، وان تتدبر الامر قبل ان تقع الفأس في الرأس، من خلال خطوة استباقية، عاجلة وناجعة، واكثر فائدة من بيانات الشجب والاستنكار، ومن تسيير المظاهرات المنددة في مخيمات القطاع، واجدى من تصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع، وذلك وفق ما بدت عليه ردود فعل "حماس" الاولية.
لقد قامت حركة حماس بخطوة غير كافية لقلب الطاولة على رؤوس الخصوم والاعداء، حين طرحت وثيقة سياسية قبلت بموجبها – على نحو ضني- قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 ثم قامت قيادتها السياسية بحث الادارة الاميركية الجديدة على اغتنام هذه الفرصة الثمينة، والبدء بفتح حوار مع بديل منظمة التحرير الفلسطينية. الا انه عوضاً عن قبول ترامب لهذه اللفتة "السخية" قام بتوجيه لكمة قوية وقعت على مؤخرة رأس الحركة المجاهدة.
في واقع الامر لم تكن وثيقة "حماس" مقنعة لأي من الاطراف المخاطبة بها، بدليل ان احداً من العرب او الاوروبيين او الاميركيين لم يثن على هذه الوثيقة او يأخذها بعين الاعتبار، بمن في ذلك شركاء "حماس" في الوطن، ممن شاهدوا رجحان كفة الجناح الايراني في صفوف الحركة الاسلامية، سواء عبر الانتخابات التي جرت في غزة، او تك التي جرت في الاطار الاوسع للحركة، التي ستتحول من الآن فصاعداً الى حمل ثقيل على مضيفيها القلائل على اي حال.
نحن لا نخترع البارود اذا قلنا انه لم يعد لدى "حماس" بديل عن مواجهة المتغير الجديد بكفاءة، سوى انهاء مشروع الامارة البائس، والكف عن الرهانات الخائبة، والعودة الى المظلة الفلسطينية القادرة وحدها على اعادة انقاذ الموقف المحرج للجميع.

عن الغد الاردنية