الأسرى وهم يطوون اسبوعهم السادس في اضرابهم المفتوح عن الطعام بدأوا يتساقطون بالعشرات وأخذت سلطات الاحتلال بدلا من مفاوضتهم تنقلهم الى المستشفيات لإطعامهم القسري ، ووفق المعايير الصحية العالمية ، فإنه لم يتبق أمامهم سوى اسبوعين لكي يدخلوا دائرة الخطر المحقق الذي يتهدد حياتهم او فقدان اعضاء حيوية في أجسادهم كالكلى وعضلة القلب والسمع والبصر .
خلال الأربعين يوما الماضية ، بدا واضحا أنهم وحدهم ، بحدود دنيا من محاولات نصرتهم ، بعض المسيرات الخجلة في مراكز المدن ، خيام اعتصامية رمزية لم ترق الى عظمة انتفاضتهم وراء القضبان ، حتى اصبح الشعار الناظم لكل من يتحدث باسمهم رسميا وشعبيا ، هو السؤال عن مدى هذا القصور بحقهم ، دون ان يتمكن احد من تحديده وتحميل مسؤوليته وتبعات هذه المسؤولية ، حتى وصل الامر بفدوى البرغوثي ، وهي قيادية في حركة فتح "عضو مجلس ثوري" ان تعتصم لدى قبر ياسر عرفات ، كأنها بذلك ارادت ان تقول ما لا تستطيع قوله ، ما أدى بعد ذلك الى انحصار دور اللجنة الوطنية لاسناد الاسرى التي اصدرت بيانين تحدد فيه فعاليات اسبوعية ، من ضمنها يوم اضراب شامل ، ثم توقفت بعد ذلك .
وراهن المراهنون على زيارة ترامب للمنطقة ولفلسطين (بيت لحم) ، وخطب المتحدثون الرسميون باسم الأسرى انه لا يمكن لترامب ان يغادرنا دون ان يحل مشكلة الأسرى ، وكانوا قبلها قد أشاعوا أن ملك الاردن سيتدخل لحلها ، فتبين ان كل ذلك عبارة عن اختلاقات وهمية تتماهى مع تمنيات عاجزة وقاصرة .
اليوم ، يتضح اكثر من كل الأيام السابقة ، كم نجح الأسرى في إضرابهم عن الطعام ، في كشف عوراتنا ، عورات عورات عورات ، على مد البصر ، عورة أننا أعجز من أن ننصر رموزنا وراء القضبان حتى بعد ان يعلنوا عن ثورتهم داخل السجون ، حتى بعد مضي اربعين يوما على انتحارهم الجماعي الرهيب ، عورة الاستقلال الكاذب ، عورة التنسيق الأمني مع السجان لتحسين ظروف السجن ، وهي امتداد لعورة تحسين ظروف العيش تحت الاحتلال ، عورة العرب في أنهم أقرب الى القبائل منهم الى الدول والحكومات ، عورة الخلاف بين الضفة وغزة واستمرار التراشق والتناكف بين الحركتين الحاكمتين ، عورة الفصائل التي تدعي انها تقود الشعب نحو التحرر والاستقلال ، عورة ممثلين لبعض الفصائل داخل المنظمة ليس لها في السجون اسير واحد ، عورة قيادات تحتل مناصب مهمة كانت في سياحات خارجية دون ان تقطع سياحتها ، عورة سفارات لم تستطع تنظيم اعتصام واحد في الدول الشقيقة والصديقة!! .
وبغض النظر عن كل شيء ، فإن الأسرى في إضرابهم هذا إنما سيسجل لهم انهم في وقت ما قد كشفوا لنا كم كنا عراة ، وهي المقدمة الأولى لستر عوراتنا ، شرط أن نتوقف عن النظر إلى عورات الآخرين على انها مكشوفة ، في حين ان عورتنا مستورة .