لطالما كان د.أحمد يوسف يمثل الخط الواقعي العملي في حركة "حماس" ولدى الاسلامويين الفلسطينيين، وكثيرا ما قدم الرجل المراجعة والنقد للمواقف وللأداء السياسي والفكري سواء للسلطة الوطنية أو حركة فتح، وأيضا حركة حماس.
وفي كثير مما يطرحه كنا نتفق، وقد نختلف في شؤون أخرى مالا يضر مطلقا بمفهوم الحوار الذي يتقبل تعايش الرأيين أوالآراء المتعددة.
فصيل "حماس" كثيرا ما يثقل على الأذن الاسلامية والعربية والفلسطينية بخطاب المعسكرين (الفسطاطين)، وخطاب الاستبداد والصواب المطلق، واستخدام المساجد في الدعاية الحزبية، وباعتماد تيار كبير فيه للغة التكفير والتخوين والملاعنة الحزبية، أو خطاب المعركة بلا قدرة حسب وصف أحمد يوسف (لغة التصعيد والحرب حيث تعودت ألسنة البعض تظهيرها في قطاع غزة وكأننا بإمكانياتنا المتواضعة دوله عظمى).
في ظل هذا الوضع كنا نسمع صوتا نشازا للبعض المتطرف كلاميا، ولكنه صوت يطرب الأذن الوطنية والعروبية والاسلامية حيث الدعوة للقاء والمصافحة والوحدة مما دأب عليه مصطفى اللداوي وأحمد يوسف وغازي حمد.
وأحمد يوسف الناقد هو القائل للكثير الذي منه ما قاله في الانقلاب (كان المشهد الثاني الذي خسرنا فيه الكثير، مما كان يمكننا البناء عليه لتأسيس شراكة سياسية، ومنظومة حكم جديدة، هو الأحداث المأساوية، التي وقعت في يونية 2007، والتي كانت تداعياتها كارثية، وما زلنا كحالة فلسطينية سياسية ندفع ثمنها حتى الآن.)
لم يكن غريبا على أحمد يوسف أن يقدم ورقة جديدة هامة يستشرف بها المستقبل ضمن رؤية مبكرة، فيطرح ما يتجاوز به (مرحلة الاستضعاف) كما أسماها لغرض (تأمين مستقبل أعز وأقوى وأحكم للأمة المسلمة-حسب الورقة)، وعليه وكما يقول: (من باب ألا نضيّق واسعا علينا وعلى أهلنا في قطاع غزة فان هناك مجموعة من الأفكار ....)
وفي الافكار العشرين الهامة لأحمد يوسف -والتي نكاد نتفق معه في أغلبها- فإننا ندعو لاحترامها والتعاطي معها لعلنا نرتقي معا، ما هو واجب كل الحركة الوطنية والتي (حماس) جزء لا يتجزأ منها.
كنت قد كتبت عن العوائق للتقدم أمام "حماس" بعد وثيقتها، بما أجملته بنقاط أربعة هي-أولاها:طبيعة التعبئة الداخلية الاقصائية والمخالفة للآخر حتى الآن.
العائق الثاني: ممثلا ب الممارسات الحمساوية اليومية على الأرض، المضادة لفكرة الشراكة بالمعنى الوطني الوحدوي العام
العائق الثالث: يأتي من شخوص غالب تيار غزة الذي يعترض؟ يعترض لأنه حقق نصرا بالانقلاب عام 2007 ما لا يجب التفريط به وباعتباره مرحلة لما هو أهم
وقلت أيضا لعلي أجد من الإقليم المحيط بنا وضغط التحالفات نقطة رابعة أساسية معيقة
ولا أظن د.أحمد يوسف الذي يبرق لقيادة حماس في رسالته المفتوحة مشيرا لضرورة التوافق مع المتغيرات ووفق ما جاءت به الوثيقة الحمساوية الأخيرة ببعيد عما نقول ونطالب به.
يطالب في (نقاطه العشرين) الموجهة لحماس بضرورة المراجعة وباعتماد لغة الحوار والوحدة والخطاب الجامع والابتعاد عن الصغائر وتقوية الجسد الوطني عبر (اعتماد المصالحة الوطنية كأولوية، وتوفير الأرضية) ومن خلال (توجيه دعوة مفتوحة للرئيس محمود عباس للقدوم إلى غزة)، ورغم ضعف مطالبته فيما يتعلق باللجنة الإدارية التابعة لحماس التي تقود غزة، وعدم مطالبته الصريحة بتسليم القطاع للشرعية إلا أنه يطالب نصا ب(تجنب لغة التصعيد والحرب) ويدعو (لحزب سياسي للتحرك ورسم السياسات).
والأهم برأيي ما يدخل في العمق التعبوي التحريضي الداخلي لحماس إن تم فنكون قد قطعنا مسافة كبيرة حقا، وهي مما أشار له مشعل في استهلاله وعبر ما أسماه (المنهجية المتوازنة) عندما قدم الوثيقة قائلا بأنها ستدرّس للأعضاء، حيث يدعو لأمور ثلاثة تتمثل بفصل المساجد عن الاستغلال الحزبي السياسي وعن اللغة الحزبية التحريضية كما فعل الشيخ راشد الغنوشي في تونس، وأن تكون التربية للأعضاء على لغة الوفاق لا الإقصاء والحق المطلق، ويدعو للكف عن التخوين والتكفير.
يقول د.يوسف بنص كلامه الهام أنه من الضروري: (العمل على تجنيب المساجد والمؤسسات التعليمية لغة المناكفات السياسة، واحترام الخصوصيات الدينية والوطنية لتلك الأماكن)، ويدعو حماس ل(تربية كوادرها وتعويدهم على لغة الوفاق وتقبل الآخر، وأهمية البحث عن القواسم المشتركة)، إضافة لاعتماد ال(تهذيب لغة الخطاب الإعلامي، والابتعاد عن أسلوب التكفير والتخوين والملاعنات الحزبية)
إن الأصول العشرين لأحمد يوسف تستحق التبني من فصيل حماس، كما تستحق الاعتماد عليها والبناء من الفصائل الأخرى ومن حركة فتح فلا تظل دعوات المثقفين والمفكرين والوحدويين تسبح في بحر الأماني، أو تذروها الرياح.