«المبادرة العربية».. قيد المراجعة والتعديل!!

11.jpg
حجم الخط

حسب ما تناقله بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية عن "مسؤول فلسطيني" أن الرئيس ترامب أخبر الرئيس محمود عباس أثناء قمتهما المنعقدة مؤخراً في بيت لحم بأن الأول يبلور خطة سياسية تستند إلى دفع برنامج إقليمي شامل، في إطار مبادرة السلام العربية أولاً، دون تراجع عن حل الدولتين، لكن مع بحث خطط أخرى، تفضي ببرنامج مرحلي ينتهي إلى حل نهائي وإعلان الطرفين إنهاء الصراع [المصدر الإسرائيلي ـ "إسرائيل اليوم"].
هناك الكثير من التسريبات حول ما جاء من نقاشات وحوارات أثناء القمم العديدة التي أجراها ترامب أثناء جولته في المنطقة، بعضها ربما يعود إلى تكهنات تستند إلى مواقف مسبقة، وبعضها الآخر، ربما يعود إلى رغبة بعض الأطراف في تقييم ردود الفعل، كبالونات اختبار، فيما البعض الآخر من هذه التسريبات قد يعكس بعض حقيقة ما جرى في سبيل الإشارة إلى أن هناك مساعي جدية من قبل إدارة ترامب للتوصل إلى "اختراق" حقيقي للسد المنيع الذي فشلت الإدارات الأميركية السابقة في اجتيازه حول الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وهنا يتم الحديث عن صفقة تتجاوز الملف المذكور إلى ملفات المنطقة بأكملها.
إلاّ أن ما يلفت الانتباه في التسريب المشار إليه، تلك الإشارة إلى "المبادرة العربية" التي تشكل إطاراً لبرنامج إقليمي يقف من خلف الحلين، المرحلي والنهائي، لم تكن هناك إشارة إلى اعتماد تلك المبادرة، بل مجرد إطار يهيئ لتغطية إقليمية لمفاوضات تجري على نطاق أوسع، بالبعد الإقليمي وبمشاركة واسعة ربما من التحالف العربي الإسلامي الأميركي، الوليد الذي رأى النور مؤخراً برعاية سعودية أثناء قمم الرياض مع الرئيس الأميركي ترامب!
موقف إسرائيل من المبادرة العربية، كما هي الحال في موقفها من "خارطة الطريق" التي تبنتها واشنطن العام 2003 لحل "النزاع" الفلسطيني ـ الإسرائيلي، تعلن إسرائيل بشكل عام موقفاً إيجابياً، وتضع عدة شروط والتزامات، تفرغ المحتوى من المضمون الأساسي، هكذا فعلت مع "خارطة الطريق" الأميركية، وهو ما تكرر مع موقفها من المبادرة العربية، وبحيث باتت خارطة الطريق الأميركية، مجرد مشروع إسرائيلي بامتياز، وهكذا الأمر مع المبادرة العربية التي لن تظل عربية على ضوء جملة من المراجعات والاشتراطات الإسرائيلية، إلاّ أنه ستظل عملية تسويق وترويج المبادرة باعتبارها عربية، مع أنها لن تظل على ما كانت عليه، من حيث الشكل والمضمون!
المرة الأولى التي تحدث فيها نتنياهو عن المبادرة العربية، هي تلك المرة الأولى التي تحدث فيها أيضاً عن تبنيه لحل الدولتين، كان ذلك في خطاب ألقاه في بار إيلان العام 2009، في تلك الفترة كان هناك ضغط أميركي مباشر على إسرائيل لتجميد البناء في الاستيطان، ويبدو أن هذا التبني جاء نتيجة لهذه الضغوط بهدف احتوائها، أكثر منه قناعة بالموقف، يقول نتنياهو محدداً موقفه ـ في ذلك الوقت ـ من المبادرة العربية: إن جهود الدول العربية لدفع مبادرة سلام تستحق التقدير العميق، روح تختلف عن تلك الروح في قمة الخرطوم قبل أربعة عقود، إلاّ أنها تظل ـ المبادرة ـ اقتراحات غير نهائية".
بعد أربعة أعوام، وفي خطاب لنتنياهو أمام الكنيست العام 2013 يقول: نحن نستمع إلى كل مبادرة، والمبادرة العربية اقتراحات وليست إملاءات، بعد عامين، 2015 وأثناء حديثه مع المراسلين السياسيين يقول: توجد في مبادرة السلام العربية إيجابيات وسلبيات، وهناك أمور فات أوانها، كإعادة الجولان أو موضوع اللاجئين، هذه المبادرة تم طرحها قبل 13 سنة ـ في ذلك الوقت ـ وقد تغيرت أشياء كثيرة منذ ذلك الحين. ولكن في أوائل العام الماضي وإثر أداء وزير الحرب ليبرمان اليمين القانونية، تطرق نتنياهو مجدداً إلى المبادرة العربية: نحن على استعداد لإجراء مفاوضات مع الدول العربية لتعديل المبادرة كي تعكس التغيرات الدراماتيكية التي حدثت في المنطقة منذ العام 2002 مع التمسك بالهدف الأساسي.. دولتين لشعبين!
ويمكن القول، إضافة إلى إشارة نتنياهو إلى المتغيرات الدراماتيكية في المنطقة والتي يجب أن تؤخذ بالاعتبار لدى تعديل ومراجعة المبادرة العربية، هناك عامل إضافي لا يقل أهمية، وهو وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وما يعنيه ذلك من تبني الموقف الإسرائيلي من قبله، ما يضيف عاملاً إضافياً ضاغطاً باتجاه هذا التعديل وهذه المراجعة، وبحيث تبدأ المفاوضات ليس على ملفات الحل، بل مفاوضات من أجل تعديل المبادرة في ثلاث زوايا أساسية، الجولان واللاجئين، والاعتراف العربي بإسرائيل قبل الولوج إلى مفاوضات بين الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي بتغطية ودعم من التحالف العربي الإسلامي الأميركي الجديد، ويبدو رغم أن الأمر ليس بالسهولة التي تتمناها هذه الأطراف، إلاّ أن هناك مقدمات تشير إلى أن هناك إمكانية لمثل هذا الأمر مقارنة بأي وقت مضى!!