أراد بعض الناس أن يتوهم الفلسطينيون بأن الرئيس الأميركي الجديد ترامب حمل معه عصا الحل السحري ، والبديل لما ميز الخمسة وعشرين عاما الماضية من مفاوضات فاشلة،أصبحت غطاءا لتوسع اسرائيل الإستيطاني والذي رفع عدد المستوطنين من 111 الفا عام 1993 الى رقم يتجاوز السبعمائة ألف مستوطن غير شرعي.
غير أن الحقائق التي سمعناها ورأيناها جاءت صارخة وحاسمة بشكل يجب أن يبدد كل الأوهام.
الرئيس الأميركي لم يذكر في كل خطاباته أمام العرب، والإسرائيليين والفلسطينيين، وحتى الأوروبيين، ثلاثة اشياء.
لم يذكر الاحتلال رغم أننا على مسافة أسبوعين من الذكرى الخمسين لما أصبح الإحتلال الأطول في التاريخ البشري الحديث.
ولم يذكر الاستيطان الذي يقر الجميع بأنه العقبة الرئيسية أمام السلام ، بل والأداة الرئيسية لمنع حدوثه ، ورغم أن وتيرة الأستيطان إرتفعت بنسبة 37% منذ انتخابه.
ولم يذكر حقوق الفلسطينيين ، سواء في تقرير المصير أو الإستقلال أو إقامة دولتهم المستقلة، ولم يشر بكلمة الى ما يسمى " بحل الدولتين" الذي أصبح موقفا ثابتا لمعظم الدول تجاه ما يسمونه "الصراع في الشرق الأوسط".
وبالمقابل أغدق ترامب على الإسرائيليين من وقته ، ومواقفه، بالإشارة الى الارتباط التاريخي بين القدس واليهود، والذي اعتبره أبديا دون أن يميز القدس الشرقية عن الغربية او يشير لحق الفلسطينيين بمسلميهم و مسيحيهم فيها كعاصمة لهم، كماكرر احاديث اسلافه المتواصل عن حماية ودعم أسرائيل.
الأهم من كل ذلك ما يتسرب من المشاريع والمقترحات التي يقدمها بعض المبعوثين ، والتي تحمل في طياتها المخاطر التالية:
أولا: قلب المبادرة العربية رأسا على عقب ، بحيث يتحول مبدأ تلبية الحقوق الفلسطينية كشرط للسلام،الى تطبيع بين العرب واسرائيل وقبل تلبية حقوق الفلسطينيين ، وعلى الأغلب بدون تلبيتها.
ثانيا: تجديد المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بدون وقف الإستيطان.وهذا ما ستعتبره اسرائيل غطاءا جديدا لتوسعها الإستيطاني .
ثالثا: خلق إطار إقليمي للتفاوض بدل الإطار الدولي المعتمد، والمستند الى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة .
رابعا: تبني الرؤية الإسرائيلية بتقديم بعض التسهيلات الاقتصادية الهزيلة ، كبديل للحل السياسي الذي يضمن انهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ،كوسيلة لتخدير الفلسطينيين الذين يعانون الأمرين من الاحتلال.
خامسا: وهذا الأمر الأخطر ، العودة الى أسلوب تجزئة وفصل قضايا الحل النهائي وادارة مفاوضات متوازية بدل متكاملة
بهدف انتزاع تنازلات فلسطينية في كل ملف على حدة، ثم السعي لتاجيل الحلول لمعظم القضايا والاكتفاء مره أخرى بحلول جزئية تمنح شرعية للتطبيع الكامل مع إسرائيل .
أي وبكلمات أخرى إنتاج أوسلو جديد بنفس نمط التجزئة والتأجيل و بما يخدم النوايا الإسرائيلية الخبيثة.
سادسا: محاولة إستبدال الدولة المستقلة بكانتونات ومعازل، بحجة عدم واقعية " حل الدولتين" ،بحيث تبقى هذه المعازل تحت هيمنة وسيطرة اسرائيل عسكريا وإقتصاديا وسياسيا.
سابعا: مواصلة الضغوط على الجانب الفلسطيني لوضعه دوما في موقف "الدفاع" مرة بالضغط لوقف مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء، ومرة بالحديث عن "التحريض المزعوم" ،ومرة بالمطالبة بالاعتراف باسرائيل " دولة يهودية".
ولعل أسوأ ما سمعناه محاولة بعض المسؤولين المساواة بين إسرائيل والفلسطينيين اي بين القامع والمقموع بهدف إظهار الاعتدال والموضوعية الزائفة.
وبالمناسبة فإن كل هذه الحلول "المزعومة " لم تعد تقنع أحدا سوى أصحابها من الراغبين في تملق إسرائيل.
فمعظم دول العالم اصبحت تدرك ، حتى لو لم تقل ذلك، أن البديل الوحيد لاقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، هو نظام الأبارتهايد الذي أصبح راسخا، واستمرار الاحتلال، وبالتالي استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني لهذا الظلم الفادح.
إن تكرار الحديث عن " السلام" دون توضيح محتواه يؤكد الشبهة بأن المقصود " سلام" بدون حرية الشعب الفلسطيني وبدون تلبية حقوقه.
لكن " السلام" بدون حرية يعني ببساطة " الإستسلام" و الإستكانة.
وهذا لم يكن يوما، ولن يكون في أي يوم ،واردا في قاموس الشعب الفلسطيني صاحب الرأي الأول والأخير