التصرف بحكمة حيال مسعى ترامب لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي

Donald-Trump_447459_large.jpg
حجم الخط

وصل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الى زيارته في الشرق الاوسط، تاركا خلفه واشنطن عاصفة، وأثبت بذلك أنه يعرف شيئا أو اثنين عن الروافع. قدرته على الرفع، على الأقل فيما يتعلق بالاسرائيليين والفلسطينيين، تنبع من عدة عوامل، فهو يقدم شيئا جديدا، بعد أن ضاق الطرفان ذرعا بالرئيس براك اوباما، وهما متحمسان للوصول الى علاقات جيدة الى الحد الأقصى الممكن.
لقد منح ترامب اسرائيل عناقا دافئا واستثنائيا، حيث قام بزيارة "حائط المبكى". وفي خطابه عبر عن تأييده للصهيونية. ولكن ايضا عبر عن العلاقة الدافئة والتقدير لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس. ترامب غير متوقع. أي، لا يستطيع أي طرف من الاطراف أن يكون على ثقة أن مكانته لدى ترامب ستبقى قوية في الغد ايضا. يبدو أنه جلب معه لاسرائيل اقتراحات مغرية من السعودية، والتي في مركزها التطبيع والعلاقات التجارية وما أشبه. وبالنسبة للفلسطينيين، يمكن أن يكون الفرصة الاخيرة للحصول على دولة اثناء ولاية محمود عباس.
لقد استخدم ترامب قدرته على الرفع بنجاعة. فمطالبه من نتنياهو ومحمود عباس بقيت سرية. وبشكل علني تحدث فقط عن الامور العامة. وقد نشأ شعور بأنه يريد ببساطة صفقة، وأنه لا يهتم بالتفاصيل. ورغم ذلك، خرج عن أطواره من اجل التأكيد على أن الزعيمين متعطشان للتوصل الى السلام، وكأنه يضعهما أمام تحد لاثبات اقواله.
إن حقيقة أن اقواله بقيت في الاطار العام، مكنت الاسرائيليين في طرفي الخارطة السياسية من تبنيه. ويدعي رئيس "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، أن الرئيس ترامب امتنع عن التحدث عن دولتين، الامر الذي يعني انتهاء فكرة الدولة الفلسطينية، وبالتالي اعطاء الضوء الاخضر لتوسيع المستوطنات والضم. أما رئيس المعسكر الصهيوني، اسحق هرتسوغ، فقد فهم من اقوال ترامب حول السلام بأنه سيمنح الفلسطينيين حق تقرير المصير، وأنه يتحدث عن حل الدولتين. من غير المعقول أن يكون الاثنان على حق، لكن يمكن القول إننا سنعرف قريبا من منهما على حق.
يجب أن تكون الخطوة التالية لترامب هي وضع القرات الصعبة أمام الزعيمين. يجب أن يتم هذا قريبا، لا أحد منهما يريد الظهور بمظهر الرافض، خاصة في هذه الفترة المبكرة لولايته. قبل أن تؤدي خيبات الأمل المؤكدة الى التقليل من ثمن الرفض. لذلك فان الحقيقة المشجعة هي أن مبعوث ترامب، جيسون غرينبلت، عاد الى المنطقة من اجل العمل على مواصلة التقدم.
يستطيع ترامب أن يستغل اللحظة بأن يعد الرئيس الفلسطيني بأنه سيضغط على اسرائيل من اجل اتخاذ خطوات اخرى في الضفة الغربية، وعدم الاكتفاء بخطوات عامة ومحدودة تم الاعلان عنها في الاونة الاخيرة. وفي المقابل يستطيع أن يطلب من عباس الامتناع عن وضع شروط مسبقة لاستئناف المفاوضات والعمل ضد التحريض و"الارهاب"، بما في ذلك وقف دفع رواتب "المخربين" الموجودين في السجون الاسرائيلية. حقيقة أن العملية الفظيعة في مانشستر حدثت في يوم لقائه مع عباس تساعده على تأكيد هذه النقطة. لم يخطئ نتنياهو عندما زعم أنه لو كان "المخرب" فلسطينيا وكانى الضحايا اسرائيليين – كان أبناء عائلة "المخرب" سيحصلون على مخصصات مدى الحياة.
لكن الرئيس يستطيع أن يضغط على نتنياهو ايضا. يستطيع أن يقول له إنه بفضل الملك السعودي وتعهده بالمساعدة في الحرب ضد ايران و"داعش" أصبح باستطاعة ترامب التقريب بين العرب واسرائيل. ولكن اسرائيل ملزمة باعطائه شيئاً ليقدمه كمقابل للطرف العربي. قد يُطلب من نتنياهو اتخاذ خطوات مثل التجميد الجزئي للبناء في المستوطنات أو رسم الحدود في المستقبل أو مساعدة الفلسطينيين. هذه الخطوات التي لا يستطيع القيام بها مع الحكومة الحالية، لا سيما مع وزراء اليمين الذين يعتقدون أن ترامب يقف الى جانبهم. ولكن اذا تبين أن الاقتراحات السعودية حقيقية، فسيكون هناك ضغط داخلي في اسرائيل على نتنياهو من اجل العمل بطريقة تمكن من تطبيق الاقتراحات.
يجب أن يكون ترامب مستعدا للتكتيكات الاسرائيلية والفلسطينية: التأجيل، تحميل الوسيط تفاصيل غير نهائية، والاستعداد للفشل مع محاولة القاء المسؤولية على الطرف الثاني. عليه أن يعمل كي تكلف خيبة أمله الاطراف ثمنا باهظا.
يدور الحديث عن تسلق مستمر لقمة الجبل، غياب الثقة بين الطرفين عميق. نتنياهو سيتصرف بحذر لأنه يتذكر أن الدول العربية لم تنفذ وعودها في السابق. ويحتمل أن لا يلتزم الفلسطينيون بتعهداتهم. وعباس ايضا سيخشى من اعطاء الكثير، كي لا يبقى في نهاية المطاف بأيدٍ فارغة. كل عامل من هذه العوامل قد يجعل الاطراف تؤجل اتخاذ القرارات، واذا تراجعت قدرة ترامب على الرفع في أعقاب الفضائح في واشنطن، فان لحظة الفرصة ستختفي.
لذلك، اذا تصرف ترامب بحكمة فهو سيجعل الاطراف تتخذ القرارات بسرعة. فلا تكونوا اولئك الذين يقولون لا.

عن "هآرتس"