عقدت مطلع الأسبوع الحالي في إيطاليا قمة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، لمناقشة موضوع التغير المناخي.. وقد انفض الاجتماع وسط خلاف بين القادة، حيث رفض دونالد ترامب التصديق على اتفاق عالمي حول التغير المناخي، واصفاً ارتفاع درجة حرارة الأرض بأنه خدعة!! فما هي حقيقة التغير المناخي، وأسبابه؟
آلاف الكتب والمقالات والمحاضرات والمؤتمرات العلمية تحدثت عن التغيير المناخي، وجميعها اتهمت الاحتباس الحراري بالتسبب به، لدرجة أن الربط بينهما بات من المسلمات.. وجميعها تقريبا ألقت باللائمة على الإنسان، وحملته مسؤوليته هذه الظاهرة.. بيد أن علماء آخرين، لهم وجهة نظر مختلفة كليا.. يعتبرون أن كل ما يقال عن الاحتباس الحراري محض هراء، وخدعة كبيرة تورط بها كبار العلماء.. كلا الطرفين (المنكرون، وناشرو الذعر) يسندون آراءهم بأدلة وبراهين علمية.. فأين هي الحقيقة؟
المنكرون للإحتباس الحراري يقولون أن أسباب التغير المناخي طبيعية، ناجمة عن النشاط الشمسي والبقع الشمسية، والتغيرات التي تحدث لمدار الأرض حول الشمس، وكمية الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى الأرض وزاوية سقوطه عليها، والتغير في زاوية محور الأرض أثناء دورانها حول نفسها وأثناء دورانها حول الشمس التي تحدث في فترات تاريخية متباعدة. وهذه عوامل مهمة جدا لإحداث التغيرات المناخية؛ حيث تسببت سابقا في تشكل العصور الجليدية وانحسارها. ومن ناحية أخرى، فإن غاز CO2 المتهم الأول بالتسبب الحراري مصادره كثيرة، ما ينتجه الإنسان جزء بسيط منها، إذ أن البراكين والبحار والمخلفات العضوية للحيوانات والنباتات تشكل المصدر الأساسي لهذا الغاز.
ويؤكد هؤلاء العلماء أن المناخ في حالة تغير دائم بشكل طبيعي، ولا يكون ثابتا إلا خلال عدد معين من السنوات. فمثلا، المحيطات تبث غاز CO2 أو تخزنه حسب حرارتها، لكن هذا لا يحدث سريعاً؛ إذ أن المحيطات تحتاج إلى مئات السنوات لكي تظهر ردة فعلها، فهي كبيرة وعميقة، وإذا كانت اليوم تفعل شيئاً ما فهذا بسبب شيء حدث قبل مئات السنين، وليس ردة فعل مباشرة لشيء حدث قبل سنوات.
ويستحضرون من القرون الماضية حلقات متعددة من التغير المناخي، فمثلا شهدت الصحراء الكبرى وجزيرة العرب قبل نحو مائة ألف سنة حوالي ثلاثة آلاف سنة مطيرة، أدت لاخضرار المنطقة، ثم حصل العصر الجليدي الأخير الذي انحسر قبل نحو 12 ألف سنة. وهناك أدلة على أن حرارة الأرض كانت أعلى من حرارتها اليوم، فمثلا الحضارة الرومانية والمصرية نشأتا عندما كانت الأرض أكثر دفئا مما هى عليه الآن، وكذلك كانت الفترة ما بين 1100~1200م فترة دافئة، بينما السنوات ما بين 1600~1650 حصل فيها عصر جليدي مصغر في أوروبا.
وإذا كانت زيادة ثانى أكسيد الكربون في الغلاف الجوي هي السبب الرئيسي لارتفاع درجات الحرارة، فلماذا إذاً فى أعوام ما بين 1940 وحتى عام 1970 كانت الأرض أبرد، بينما الزيادة في استخدامنا للوقود الأحفوري كانت في أقصاها، وكانت فترة ازدهار الصناعة وازدياد التلوث الذي يتسبب فيه الإنسان! مع أن نظرية الاحتباس الحراري تقول العكس: مع ازدياد التلوث تزداد الحرارة، فلماذا حدث العكس؟
العالم "إيفار جيفيير" الحاصل على جائزة نوبل، وهو من منكري الاحتباس الحراري، يقول إن معدل حرارة الأرض ارتفع في الفترة ما بين 1860~2000، بمقدار 0.3%، أي 0.8 درجة مئوية فقط، وهي برأيه درجة حرارة مستقرة. أما منسوب البحر، فهو في يرتفع بمقدار 20 سم في السنة، وهذا يحصل منذ 300 سنة، وهي نسبة برأيه لا تشكل خطرا. كذلك سجل الأعاصير لم يطرأ عليه تغيير يذكر. أما القطب الجنوبي فهو في أشد حالاته بروده الآن، مقارنة بحقب زمنية ماضية.
يقول المنكرون أن الهدف من إستمرار الحديث عن الاحتباس الحراري بهذا الشكل النشط والمحموم، هو الحفاظ على قلق الشعوب وجعلها في حالة ذعر دائم، لأن هذا سيؤدي بهم لمطالباتهم بإتخاذ إجراءات تحقق وتضمن سلامتهم، عن طريق سلسلة لا نهائية من التهديدات والفزاعات، والصناعات والقطاعات المرتبطة بها، وهى كلها بالأساس وهمية ومن نسج الخيال. وهذا يشبه إلى حد ما صناعة الرعب تحت ذريعة ما يسمى الحرب على الإرهاب.
ففي أميركا مثلا، تهدف سياسة بث الرعب لإشغال جمهور الناخبين عن قضايا أكثر جدية وخطورة مثل وضع البطالة والديون والتأمين الصحي، وبسبب الذعر من انبعاث الغازات المتأتية من الصناعات والمشاريع العملاقة فإن العالم الثالث لن يشهد أي تطور أو أية تنمية.. بينما أميركا التي من بين أكثر البلدان إثارة للموضوع تمتنع عن اتخاذ أية إجراءات حقيقية لوقف انبعاث الغازات! بل اكتفت بفرض "ضريبة الكربون" على الصناعات الثقيلة.
في المقابل يؤكد أصحاب نظرية الاحتباس الحراري أن معدلات غاز ثاني أكسيد الكربون ارتفعت لمستويات غير مسبوقة منذ بدء الثورة الصناعية، وهي في حالة ازدياد مستمر.. وهي ناتجة عن النشاطات الإنسانية المختلفة مثل: الغازات المنبعثة من الصناعات المختلفة مثل تكرير النفط، وإنتاج الطاقه الكهربائية، ومصانع الإسمنت والبطاريات، وعوادم السيارات والمولدات الكهربائية، والغازات المنبعثة من مياه الصرف الصحي، خاصة الميثان الذي يعتبر أكثر خطراً بعشرة أضعاف من CO2، ونواتج الحرائق والأنشطة الزراعية كالأسمدة والأعلاف وعمليات قطع الأشجار وإزالة الغابات، التي تعتبر أكبر مصدر لإمتصاص غازات الاحتباس الحراري، والتمدد العمراني، والاعتماد على الوقود الاحفوري، الذي يؤدي إلى زيادة غازات الدفيئة في الجو، خاصة CO2 .
وإزاء هذا التضارب، لا يملك الإنسان العادي غير المتخصص في هذا المجال إلا أن يقر بأنه لا يعرف هل الاحتباس الحراري سببه الإنسان أم الطبيعة، هل هو نتاج التلوث، أم هو مجرد حلقة من دورة المناخ الطبيعية؟ وتزداد حيرته عندما يسمع آراء العلماء المختلفة، أضف إلى ذلك تعقيدات السياسة وأصحاب رأس المال التي دخلت على الخط وجعلت منها قضية بالغة التعقيد؛ سيّما وأن أصحاب المصالح والشركات العملاقة سبق وأن اشتروا علماء كبار، ومولوا أبحاثهم لتخرج بنتائج تنسجم مع مصالحهم.
خدعة "العين الحمراء" الأميركية عن شمال غزة لحكومة نتنياهو
16 أكتوبر 2024