مبروك للأسرى ولأهل الوطن في جميع مناطقهم وبلدان شتاتهم ومنافيهم انتصار الأسرى.
ليس في تسمية انتصار أي مبالغة ولا هي مجاملة للذات الوطنية. من يستعيد أقوال العنجهية واللامبالاة والاستهتار والإنكار والرفض لرئيس وزراء دولة الاحتلال ووزير أمنه (اردان) ووزير خارجيته (ليبرمان) وغيرهم من الوزراء والمسؤولين في مواجهة الإضراب، ثم يرى رضوخهم لصمود الأسرى وقبولهم تحقيق الجزء الأكبر من مطالب إضرابهم، يتقين انه انتصار.
من يشاهد بعيونه ووعيه وإدراكه ومعها أحاسيس الفخر والاعتزاز الحركة الجماهيرية الملتفة حول الأسرى والمساندة لهم بكل جوارحها وبكل ما تملك يداها، ويرى فرحتها الغامرة يدرك انه انتصار.
ولم يكن انتصار الأسرى مقتصرا فقط على صمودهم وعلى تحقيق معظم مطالبهم. انه انتصار مهم على وضع التشرذم السائد، والنجاح في تنظيم إضراب جماعي يشارك فيه الكل وبقيادة موحدة تمثل الكل، ولم تنجح كل مناورات العدو في اختراقها ولا المناورة عليها. انه انتصار كبير على طريق استعادة «الحركة الأسيرة» لكل معاني ومقومات هذا الاسم ولتبقى مكونا أساسيا وفاعلا في حركة النضال الوطني الفلسطيني، داخل السجون والمعتقلات وخارجها.
انه انتصار لنجاح الإضراب في تخليق حالة جماهيرية شاملة وموحدة وفاعلة، تدعمه وتسانده. مع الأمل ان يكون لهذه الحركة ما بعدها، وان تستمر وتتطور بكل تعبيراتها الشعبية وغير الحكومية على طريق استعادة دورها المغيّب كحاضنة وموجهة وحاكمة في كل مجريات حركة النضال الوطني الفلسطيني ووحدة جماهيرنا وقواها.
بعيد انتصار الأسرى وفي مناخاته، جاء اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. الاجتماع بحد ذاته حدث.
ويزيد من أهمية الاجتماع انه جاء في ذروة وضع عربي وإقليمي ودولي يعيش حالة ترقب وانتظار مصحوبة بالقلق والتوجس وبكثير من المشاريع المتضاربة ومعها الكثير من التشرذم والمعاناة. الوضع الفلسطيني يندرج ضمن هذه الحالة وربما يكون أولها واخطرها. مثل هذا الوضع يفرض بالضرورة، وبالذات لمن هم بمثل حالتنا، ان تكون مواقفهم وتطلعاتهم، وربما مطالبهم وشروطهم، في أعلى درجات الوضوح والتحديد، لا تترك أي مساحة للغموض، وتمتنع عن القراءة الخاطئة او ذات القصد والهدف، ولا تعطي فرصة الركوب عليها واستغلالها وبناء المواقف على أساس ذلك.
جيد، ان اللجنة التنفيذية، كما يقول بيانها المنشور، أكدت على «إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 67 وحل قضايا الوضع الدائم كافة». وحددت الأساس القانوني لذلك بتأكيد «تمسكها بالقانون الدولي والشرعية الدولية». كما حددت الإطار له «من خلال عقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات». بهذا تكون اللجنة التنفيذية أكدت على الثوابت المعروفة والمعلنة، وهو أمر مطلوب وجيد.
لكن اللجنة التنفيذية تهربت من التعاطي مع مشاريع وعناوين عديدة تفرض نفسها بما تمتلكه من سعة التداول ومستواه، إضافة الى درجة من احتمالية التحقق. يمكن إيراد ثلاثة منها:
ـــ تهربت «ل.ت.» في بيانها من تحديد موقف من التوجه الأميركي الواضح والمعلن باحتكار التعاطي مع الصراع/ الخلاف الفلسطيني الإسرائيلي (حسب تسمية الرئيس الأميركي وإدارته). وذلك، بالحديث المتكرر للرئيس الأميركي عن «الصفقة الكبرى» التي ينوي إنجازها لحل هذا الصراع/ الخلاف نهائيا. ان الاكتفاء بإيراد نص «من خلال عقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات» في بيان اللجنة التنفيذية لا يكفي لإبراز موقف الرفض للاحتكار الأميركي والتمسك بإطار دولي يقوم على الشرعية الدولية، بالذات وان الرئيس ابو مازن، حسب وسائل الإعلام، «جامل» الرئيس ترامب عند اجتماعه معه في واشنطن بالقول انه معه لتحقيق «الصفقة الكبرى».
- تهربت في بيانها من تحديد موقف من التسريبات المتكررة عن مصادر في البيت الأبيض حول آلية تنفيذ خطة الرئيس ترامب في صفقته الكبرى بأن يكون التفاوض والاتفاق على كل موضوع من موضوعات الحل النهائي على حدة وبشكل مستقل ومنفصل. وهذا ما يعني ان المفاوضات ستكون ثنائية برعاية أميركية فقط من جهة، وماراثونية بلا نهاية من جهة ثانية، وتحمل معها ألغام تفجرها من ناحية ثالثة. وما يعني أيضا، انها ستكون بالمحصلة مناسبة ومريحة لدولة الاحتلال ولصالحها تماما.
- وتهربت من التعاطي، مع الجدل عالي الصوت والوتيرة وعلى اكثر من مستوى، حول النية الأميركية، بالموافقة والترحيب الحار من دولة الاحتلال، على التعامل مع القضية الفلسطينية عن طريق الحل الإقليمي (وربما مؤتمر إقليمي، وهو في حقيقته وجوهره عربي) يكون إطارا للحل الشامل مع دولة الاحتلال. وجوهر هذا التعاطي هو عكس ترتيب الحل بحيث تكون البداية بتطبيع العلاقات مع الدول العربية لتمهد الطريق أمام حل فلسطيني مع دولة الاحتلال. ورغم القول ان هذا الحل ليس سهل التحقيق وتواجهه صعوبات وعقبات كبيرة قد يصعب تذليلها، ورغم الانتباه الى المبالغة كثيرا في بعض المقدمات الجنينية متدنية المستوى التمثيلي، وربما الظرفية، لهذا الحل، وانه يجري استغلال هذه المقدمات وتضخيمها من قبل دولة الاحتلال بشكل مقصود وهادف. رغم ذلك، فإنه كان من الضروري ان تتعاطى اللجنة التنفيذية مع هذا الجدل، منعا لأي تفسير مستغل لسكوتها او التغطي به. وذلك بتأكيد التمسك بالمبادرة العربية والمبادئ التي تعلنها والترتيب الذي تتبناه كأساس للحل العربي، والذي يؤكد على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وعلى حل قضية اللاجئين، كأولوية وشرط مسبق لأي تعامل عربي مع دولة الاحتلال.
في بحر متلاطم الأمواج يجتاح كل المنطقة، تبقى الأولوية المطلقة للتمسك بالثوابت ثم لأعلى درجات الوضوح في المواقف على أساسها.