رجلان، الأول طواه النسيان الإسرائيلي؛ والثاني يبقى علماً من أعلام القدس وفلسطين. عشية الانتفاضة الأولى، وضع الإسرائيلي ـ «الحيروتي»، موشي عميراف، والفلسطيني ـ المقدسي فيصل الحسيني مشروعاً للحل السياسي الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بدءاً من حل لعقدته المقدسية!
كان هذا في العام 1987 عشية الانتفاضة، وكان عميراف عضو مركز حركة «حيروت»، ورئيس سابق لشبيبة الحركة. للمصادفة، في تلك السنة، نشر ديفيد غروسمان كتابه المعنون: «الزمن الأصفر»، وفيه تنبّأ بانفجار الانتفاضة الأولى.
في نتيجة تلك الانتفاضة، ترأس المرحوم فيصل الحسيني الوفد غير الرسمي الفلسطيني إلى مؤتمر مدريد، بصفته المرجعية الأعلى، بينما ترأس المرحوم حيدر عبد الشافي الوفد المفاوض الفلسطيني ـ الأردني.
في مطلع هذا الحزيران، استذكرت مؤسسة فيصل الحسيني، السنوية الـ16 لرحيله، بينما في الجانب الإسرائيلي لم يستذكر أحد موشي عميراف، لكن مؤلف «الزمن الأصفر»، الذي خسر ابنه أوري في حرب لبنان الثانية 2006 استذكر كتابه، وتوقع زمناً أسود أو أحمر، إذا لم يتم اتفاق فلسطيني ـ إسرائيلي على الحل!
المهم، أن وثيقة عميراف ـ الحسيني 1987، صارت أساساً لوثيقة ستانفورد 1992 الفلسطينية ـ الإسرائيلية، التي بدورها أساساً للوثيقة المعروفة يوسي بيلين ـ أبو مازن، ومن ثم أفكار بيل كلينتون اللاحقة خلال وبعد فشل كامب ديفيد 2000.
كان أساس وجوهر أفكار كلينتون حول حل مقدسي: ما هو يهودي الآن يصير إسرائيلياً، وما هو عربي الآن يصير فلسطينياً.
فشل كامب ديفيد هذا في الاتفاق على حل المسائل الخمس أو الست للوضع النهائي حسب اتفاقية أوسلو، لكن الفشل أدّى إلى «خارطة الطريق» التي قادت إلى مشروع «الحل بدولتين» للرئيس بوش ـ الابن.
من تاريخه 2004 حتى وقتنا هذا، عبر ولاية بوش ـ الابن، ثم باراك أوباما صار «الحل بدولتين» أكثر فأكثر بلورة، مع أفكار أوباما ووزير خارجيته جون كيري، والمشروع الأمني ـ السياسي الأميركي الذي وصفه فريق برئاسة الجنرال جون ألن، حول دولة فلسطينية وفق متطلبات أمن إسرائيل الاستراتيجية والجارية معاً.
خبراء أمن إسرائيل وافقوا على معظم نقاط المشروع، وأيضاً نتنياهو، لكن رئيس الأركان، موشي يعالون، تحفّظ على معظم النقاط، ووضع المشروع على الرفّ العام 2014.
على كراهيته ومقته للرئيس أوباما شخصياً وفريق إدارته للحل السياسي، وطرحه «صفقة» للحل النهائي، دون ذكر مشروع «الحل بدولتين»، فإن أفكار كيري السياسية التي تستند إلى أفكار فريق جون ألن الأمنية، تبقى قاعدة لـ»الصفقة» الترامبية التي تبدأ بتسهيلات اقتصادية إسرائيلية.
أستاذ الفيزياء القديمة، أنطوان لافوازييه، الذي «اكتشف» عنصر الأكسجين في القرن الثامن عشر وضع قانوناً فيزيائياً هو: «المادة لا تُفنى ولا تُخلق من عدم»!
لنعد إلى الوراء، وإلى مؤتمر بازل، ثم وعد بلفور، ثم مشروع التقسيم الدولي الأول 1947، حيث كانت المسألة هي إقامة دولة إسرائيل.. لكن، بعد النكبة والنكسة، والثورة والانتفاضة، ومؤتمر مدريد، وأوسلو هذه، صارت المسألة هي إقامة دولة فلسطين.
قانون لافوازييه تخطّته الفيزياء ـ الكيميائية الحديثة، لكن «قانون» الحل السياسي للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي الذي بدأ مع مشروع الحسيني ـ عميراف، يزداد تبلوراً وتقدماً نظرياً، لكن عملياً يغدو أكثر فأكثر صعوبة في التطبيق.
عشية حزيران الاحتلالي الخمسيني، التقى رئيس الحكومة الفلسطينية، رامي الحمد الله في رام الله مع وزير المالية الإسرائيلي موشي كحلون، في أول اجتماع من نوعه منذ العام 2000، واتفقا على زمرة «تسهيلات» مثل عمل الجسر 24 ساعة، وتوسيع صلاحيات السلطة في المنطقة (ج) وإعادة النظر في بروتوكول باريس الاقتصادي، بما يؤمّن للسلطة مداخيل تغنيها عن أموال الدول المانحة!
الحمد الله ركّز على الحل السياسي لأنه الجوهر، وليس الحل الاقتصادي، لكن ماذا؟ ليس واضحاً هل سيعود شرطي فلسطيني إلى الجسر، ولو أن وجوده كان رمزياً كمظهر لسيادة فلسطينية وهمية.
تعترف أفكار فريق الجنرال جون ألن بالسيطرة الأمنية الإسرائيلية على الأغوار لفترة ما موضع خلاف تتراوح بين 40 سنة كما تريد إسرائيل، و10 سنوات كما يقترح الفلسطينيون.
رداً على نوايا إدارة ترامب في الاعتماد على خطط أوباما ـ كيري ـ ألن كقاعدة لاتفاقية «الصفقة» وضع نتنياهو عقبة ثالثة، هي السيطرة العسكرية الإسرائيلية على كل المجال الفلسطيني، وكان من قبل اشترط لدولة فلسطينية منزوعة السلاح اعترافاً فلسطينياً بـ»يهودية إسرائيل» وإلغاء حق العودة.
يقال بشكل غير رسمي وغير فلسطيني، إن أبو مازن قد يقبل بتبادلات جغرافية بنسبة 6,5% من مساحة الضفة لإجبار إسرائيل على تحديد حدودها، كما تطلب إدارة ترامب بشكل غير رسمي، ورداً على ما تقوله الإدارة إن المستوطنات ليست هي المشكلة أمام «صفقة الحل»!
.. على أن يعتبر المقابل الإسرائيلي لهذه النسبة منطقة فلسطينية يمكن تحقيق حق العودة إليها.
يعني موطئ قدم إسرائيلي توراتي في «يهودا والسامرة» مقابل موطئ قدم فلسطيني يُلبّي ولو جزئياً «حق العودة» وتبقى بذلك مساحة فلسطين وإسرائيل السيادية كما كانت قبل احتلال إسرائيل لباقي أرض فلسطين.
السؤال: من الذي سيعرقل «الصفقة»؟ وهل في الصندوق أفكار حل أخرى؟ إسرائيل تراهن على رفض فلسطيني؛ والسلطة على رفض إسرائيلي!