وعلى قطر دارت الدوائر!

حسن البطل.jpg
حجم الخط

في واحد من أعمدته الأسبوعية «نقطة ضوء» وضع زميلي، حسن خضر، عنواناً لافتاً: «قضاء.. وقطر»، انتحالاً من «قضاء وقدر».
هل أستلبس مأثور العبارة: «على الباغي تدور الدوائر» بعنوان العمود أعلاه! أو بالاستعارة من قصة خرافية عن الضفدع التي نفخت نفسها إلى حجم بقرة!
للاتحاد الأوروبي، بقيادة الست أنجيلا ميركل، خلاف طارئ مع الولايات المتحدة، بقيادة دونالد ترامب، أبعد أثراً وتأثيراً من هذا الاتحاد و»بريكست» البريطاني، وربما من انسحاب فرنسا الديغولية، العابر في ستينيات القرن المنصرم من الجناح العسكري لحلف «الناتو»، مع بقائها في القيادة السياسية.
الجزء الطافي (أو الغاطس) من جبل جليد الخلاف الأميركي - الأوروبي، هو انسحاب ترامب من معاهدة باريس للمناخ، والجزء الغاطس (أو الطافي) هو شعار ترامب «أميركا أولاً»، ولعل شعار ميركل هو «أوروبا أولاً».
لا مقارنة، في الواقع والجدوى، بين دول «الاتحاد الأوروبي» وحلف «الناتو» وبين دول مجلس التعاون الخليجي الذي يضرب في اليمن التعيس تحت مسمى «التحالف العربي».
لا مقارنة، أيضاً، بين القيادة الأميركية لحلف «الناتو» ودوره في حماية أوروبا، وقسط أميركا من أكلاف الحماية، وبين القيادة السعودية لمجلس التعاون الخليجي، وتالياً بالتحالف العسكري الذي يضرب في اليمن.
ترامب دعم ويدعم الـ» بريكست» البريطاني للخروج من الاتحاد، وبعد قمة الرياض الثلاثية، صار يدعم السعودية لقيادة التحالف ضد النفوذ و»الإرهاب» الإيراني.
في البحرين تدخلت السعودية عسكرياً ضد النفوذ الإيراني، ثم تدخلت، مع معظم دول التحالف العربي ضد هذا النفوذ في اليمن.
في مجلس التعاون الخليجي شذوذان، أولهما ساكن وعميق هو انفراد سلطنة عمان بسياسة شبه مستقلة، والثاني متحرك ونشيط هو دور إمارة قطر وخاصة تحت إمارة أميرهم تميم، المتسلحة بفضائيتها، وبئر غازها، والقاعدة الأميركية فيها.
إلى من ستنحاز أميركا الترامبية في الخلاف بين الضفدع قطر والبقرة السعودية؟ معظم دول مجلس التعاون اختارت الجانب السعودي، وكذا مصر أيضاً التي تعاني من إرهاب تقول إن قطر تدعمه وتموّله، كما تدعم السعودية وبعض دول الخليج الإرهاب في سورية والعراق بالذات وكذا تدعم قطر حركة حماس التي وصفها ترامب بالإرهاب إلى جانب «حزب الله» وإيران بالطبع وأولاً، كما تدعمها إسرائيل أيضاً.
هذا الحلف السني - الأميركي - الإسرائيلي ضد إيران وحركاتها الإرهابية، عليه أن يطلب الطاعة من إمارة قطر، التي تلعب على اكثر من حبلين  وحبال عربية وإقليمية وحتى عالمية، مكنتها من استضافة دورة كأس العالم الكروية المقبلة وقيادة «حماس» أيضاً .. وحتى المفكر عزمي بشارة .. والداعية القرضاوي معاً!
لا أعرف هل إن إعلان عزمي اعتكافه عن العمل السياسي إلى العمل الفكري، له علاقة مباشرة بالخلاف السعودي - القطري، أو علاقة غير مباشرة بمصادفة اشتعال هذا الخلاف في حزيران في عامه النكسوي الذي بلغ نصف قرن.
بشارة ليس فأراً ليهرب من السفينة الخليجية الموشكة على الغرق، كما هرب من السفينة السورية - الأسدية قبل غرقها في الحرب الأهلية، ومن إسرائيل لعلاقته مع «حزب الله».
بشارة ليس حالة وحيدة أو فريدة في أزمة المثقف بين الفكر والسياسة المتقلبة، فهو من أبرز المفكرين الفلسطينيين والعرب، ويكفيه أنه دعا في إسرائيل إلى «دولة جميع رعاياها».
سبقه إلى هذه الأزمة المفكر الفلسطيني - الأميركي - العالمي الشهير إدوارد سعيد، الذي ألف كتباً مثل: «الاستشراق»، و»الثقافة والإمبريالية»، لكنه في كتاباته السياسية انتقد أوسلو والسلطة الفلسطينية، كان ركيكاً وغير موضوعي أيضاً (قال: عرفات له وجه بشع)!
أيضاً، حالة واحد من أبرز الشعراء المجددين العرب، ومن اكثرهم إطلاعا على التراث العربي، ونقداً للاتجاهات السلفية فيه، فقد راهن الشاعر أدونيس على الثورة الإسلامية الإيرانية في مطلعها بقيادة الإمام الخميني، وأنا الذي من قال له، وجاهياً، إن الأصولية الخمينية قد تكون أخطر من الصهيونية.
قبل بشارة وأدونيس هناك حالة ثالثة من أزمة المفكر والسياسي، هي حالة منظر حزب البعث العربي الاشتراكي السيد ميشيل عفلق، ليس لأنه انتقل من جناح البعث السوري إلى جناح البعث العراقي، ومن مظلة دكتاتورية حافظ الأسد إلى دكتاتورية صدام حسين، بل لأن لسانه كمفكر عربي تلعثم في حوار جناح البعث السوري مع القيادة الناصرية، حول الخلاف البعثي - الناصري، وكيفية رأب الصدع فيه شرطاً لعودة سورية إلى الجمهورية العربية المتحدة.
* * *
عودة إلى أزمة مجلس التعاون الخليجي، والخلاف السعودي - القطري، وهل سيؤدي إلى انفراط هذا المجلس كما أدى خلاف جناحي حزب البعث إلى بداية انهيار الجناحين العراقي والسوري، والخلاف الجزائري - المغربي أدى إلى انهيار مشروع الاتحاد المغاربي بسبب الخلاف على البوليساريو وأسباب أخرى.
المسألة أبعد وأعمق من الخلاف العربي - العربي حول إيران، والخلاف حول دعم الإرهاب ومقاومة الإرهاب.
لماذا؟ لأن الخلافات العربية - العربية سابقة لما سبق من خلافات حالية.
دارت الدوائر على مصر، ثم على العراق وسورية، والآن تدور على قطر، ومن قبل ومن بعد على فلسطين!.