ستة دول عربية قطعت علاقاتها الديبلوماسية والتجارية والإقتصادية والأمنية مع دولة قطر في يوم واحد (أمس)، وكانت الدول العربية الأربع الأولى: البحرين والسعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، إتخذت قرار القطع للعلاقات بالتزامن وفي بيانات مستقلة صادرة عن المراجع العليا فيها. ثم لحقت بهما كل من اليمن وليبيا. جاء التحول الدراماتيكي في إحتدام الأزمة مع قطر في أعقاب لقاء وزيري خارجية مصر والسعودية أول امس في القاهرة، وبعد الزيارة المفاجئة لولي عهد ابو ظبي للمملكة السعودية يوم الجمعة الفائت.
لكن الأزمة العربية القطرية لم تظهر في ال 24 من مايو / آيار الماضي بعد خطاب الأمير تميم في تخريج دفعة من قوات الأمن، التي هاجم فيها العربية السعودية ومصر والإمارات والبحرين، ومد الجسور مع إيران وإسرائيل على حد سواء، فضلا عن تبني خيار دعم الإخوان المسلمين تنظيما دوليا وفروعا. الصراع اعمق من ذلك. ويعود لمطلع الألفية الثالثة عندما تورطت القيادة القطرية في أزمات منفردة مع كل من مصر والسعودية والإمارات، فضلا عن صراع الحدود القديم مع البحرين، قدم إستقلال قطر في العام 1971. وتعمقت الأزمة مع صعود الدور القطري غير المرحب به لمركز التقرير في الشأن العربي الرسمي مدعوما من الولايات المتحدة الأميركية، الذي تعزز بعد إقامة قاعدتي العديد والسيلا الأميركيتين، وهي من اكبر القواعد الأميركية في الشرق الأوسط. أضف إلى إحتضانها جماعة الإخوان المسلمين، وتدخلها المباشر في الشؤون الداخلية العربية، وهذا ما عكسته البيانات الرسمية العربية أمس في تحديدها اسباب قطع العلاقات الديبلوماسية. حيث أجمعت البيانات الأربعة على تدخل قطر العلني والسري في شؤونها الداخلية، فضلا عن تأكيد جميع البيانات على دعمها (قطر) للجماعات الإرهابية والإرهاب في بلدانها، والتآمر على قيادات البلدان العربية المعنية بالأزمة. بالإضافة إلى الدور التخريبي، الذي قامت به فضائية "الجزيرة" القطرية، وتعزيز العلاقة مع جمهورية إيران الإسلامية وأنصارها في المنطقة، واستبدال التحالف مع تركيا وجماعة الإخوان على حساب مجلس التعاون الخليجي، والعمل على تقويض مؤسسة المجلس، وحتى التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.... إلخ من الأسباب السياسية والأمنية والإقتصادية.
الحاكم الشاب تميم وقبله والده وضعا نفسيهما في مأزق خطير، وألقيا بقطر في عين العاصفة نتيجة سياسات غير محسوبة النتائج، رافقها تطير وعدم حكمة في العقدين الأخيرين. ولم تنتبه القيادة القطرية للتغيرات في المشهد السياسي العربي والإقليمي والدولي وخاصة داخل المؤسسة الأميركية، مما أدى إلى إحتدام الأزمة بين الدول الست وقطر. وعندما حانت اللحظة السياسية بعد إستعادة القيادة السعودية لمكانتها بالتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، ومع قناعة الإدارة الجديدة برئاسة ترامب أن قطر ساهمت وتساهم في دعم الجماعات الإرهابية، وإعتبارها جماعة الإخوان المسلمين، جزء اصيل من الجماعات الإرهابية، وان التحالف القطري التركي والإخواني، هو تحالف متناقض مع المصالح الحيوية الأميركية في المنطقة، إنقضت الدول العربية الست على قطر، وأعلنت قطع العلاقات الديبلوماسية معها. ومن نتائج وتداعيات الخطوة العربية الدراماتيكية تجاه دولة قطر، اولا إمكانية حدوث إنقلاب عسكري او ابيض مدعوما من الدول قاطعة العلاقة. لاسيما وان فرع أحمد بن علي، الحاكم الأول لإمارة قطر في 1971، الذي اطيح به من قبل ابن عمه فرع آل ثاني بات جاهزا، ولعل الرسالة، التي ارسلها الشيخ ناصر بن سعيد مدعوما من آخرين من فخده للملك السعودي، وإعلان تبرؤه من ممارسات الأمير الشاب،تعطي مؤشرا واضحا لإستعداد الشيخ ناصر للقيام بالخطوة المطلوبة لإعادة الإعتبار لفخده؛ ثانيا رغم ان قطر لا تتأثر ماليا، لإن تصديرها الغاز لإوروبا في مأمن من التداعيات الناجمة عن الأزمة الحالية. إلآ ان قطر ستتأثر بنتائج قطع العلاقات مع دول الخليج العربية على أكثر من مستوى وصعيد: التجاري والسياحي والأمني؛ ثالثا تحالفها مع إيران وتركيا وإسرائيل لا يشكل مخرجا لعزلتها؛ رابعا الأزمة العميقة مع الدول العربية أعاد قطر مجددا لدورها الطبيعي. وأكد للأمير تميم ان المال ليس كل شيء.
غير ان المرء يرى أن هناك إمكانية لتدارك المخاطر المحيقة بقطر، في حال شرع الأمير الشاب بإستخلاص الدروس والعبر، والعمل على تدوير الزوايا، من خلال التخلي عن جماعة الإخوان المسلمين، والإعتذار للدول الشقيقة عن كل الممارسات المسيئة والخاطئة بحقهم، وإبداء الإستعداد لبناء جسور الثقة معها على اساس الوضوح والمكاشفة، والإقرار بدور الدول العربية المركزية في العالم المنطقة، والإستعداد لتعزيز مجلس التعاون الخليجي،بإعتباره اولوية وركيزة اساسية في السياسة القطرية. عندئذ يمكن للسعودية ومصر والبحرين والإمارات إعادة علاقاتها مع القيادة القطرية. الكرة في مرمى الحاكم القطري دون سواه.