تسارع تدهور العلاقات بين قطر وكل من مصر والسعودية والإمارات واليمن وليبيا إلى مستوى غير مسبوق بعد اتخاذ قرارات بقطع العلاقة مع قطر وإغلاق المعابر البرية والبحرية والجوية بينها وبين السعودية وطرد السفير والمواطنين القطريين من المملكة بالإضافة إلى خطوات مماثلة قامت بها مصر والإمارات. وبين ليلة وضحتها أصبحت قطر جزيرة صغيرة محاصرة يخشى مواطنوها من العزلة وقلة المواد الغذائية ، ويخسر اقتصادها بعد هبوط أسعار الأسهم القطرية بصورة ملموسة وحادة بعد الإجراءات العربية السريعة والمفاجئة التي وقعت على حكام قطر وقوع الصاعقة.
العلاقة بين قطر وبعض الدول العربية استمرت في الإنحدار خلال السنوات الماضية بسبب السياسة التي اتخذتها قطر تجاه القضايا العربية والإقليمية ومحاولاتها التميز عن موقف دول الخليج الأخرى والتصرف بصفتها دولة عظمى تتدخل في كل الملفات بناء على اعتقاد أن مالها وقناة الجزيرة التي تملكها تؤهلها للعب دور أكبر كثير من حجمها. فكان تدخلها في سورية بدعم الجماعات المتطرفة التي كانت على نقيض من الجماعات التي دعمتها السعودية، وشهدت الساحة السورية اشتباكات عديدة بين الجماعات المدعومة من قطر وتلك التي تدعمها السعودية. كما أنها كانت تقول أنها تدعم "الثورة " السورية و في نفس الوقت على علاقات جيدة مع إيران التي تعتبرها قوة إقليمية مهمة وحزب الله الذي ترى فيه حركة مقاومة مشروعة.
وتدخلت في الشأن المصري بوقوفها مع جماعة "الإخوان المسلمين" قلباً وقالباً. وحتى عندما سقط نظام "الإخوان" بفعل الحراك الشعبي المصري وانتخب عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر رفضت قطر أن تسلم بإرادة الشعب المصري وأصرت على استمرار تدخلها في مصر بدعم جماعة "الإخوان" ومجموعات أخرى متطرفة بالمال والسلاح، وقد استطاعت السلطات المصرية أن تكشف بالدليل القاطع تورط قطر المباشرة في دعم الإرهاب في مصر. ونفس الشيء في ليبيا فهي جزء من القوات التي شاركت في معارك الإطاحة بالقذافي، وبعد ذلك كانت داعما لعدد لا بأس به من الجماعات المسلحة وتنقل دعمها من جماعة إلى أخرى إلى درجة اتهامها من قبل جهات ليبية بإذكاء الحرب الأهلية وتخريب علمية المصالحة الوطنية والانتقال الديمقراطي في ليبيا. والآن أصبحت ليبيا قاعدة لتدريب الإرهابيين الذين تمولهم قطر وتزودهم للسلاح للانتقال إلى مصر وتنفيذ هجمات إرهابية فيها.
أما تدخلها في البحرين فكان واضحاً من خلال دعم جماعات شيعية معارضة تحاول الإطاحة بالملك والنظام هناك. وفي اليمن كان الموقف غاية في الغموض والتناقض فقطر جزء من التحالف العربي الذي تقوده السعودية ولكنها على علاقة مميزة مع إيران الداعم الرئيس للحوثيين الذين يقاتل التحالف العربي ضدهم. كما أن السودان ليس بعيدا عن تدخل قطري ضار وموجه بالأساس ضد مصر حيث تنتقل جماعات إرهابية من السودان إلى مصر كما هو الحال مع ليبيا وكلها جماعات مدعومة وممولة من قطر.
ناهيكم عن القول التدخل في الشأن الفلسطيني من خلال دعم حركة "حماس" وتعزيز الانقسام الفلسطيني، والتعامل بازدواجية مع الشرعية الفلسطينية، ولعل التسريبات التي نسبت لأمير قطر الشيخ تميم فيما يتعلق بدعم "حماس" الممثل الشرعي للفلسطينيين ومحاولة التوصل إلى اتفاق بينها وبين إسرائيل تعكس حقيقة الموقف القطري من التخريب في الشأن الفلسطيني.
والغريب هو كيفية الجمع بين المقاومة والإرهاب وكل من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. والأكثر غرابة هو من أين لقطر هذه الأحلام والقوة لحجم هذه التدخلات. وللحقيقة كان هناك تشجيع أميركي واضح لقطر لدعم المجموعات الإسلامية المتطرفة التي كانت جزءاً من السياسة الأميركية لانتاج الفوضى وتقسيم دول المنطقة وإثارة الحروب النزاعات فيها.
ربما لم يستوعب القطريون، الذين يتميزون بضعف دبلوماسيتهم ومؤسسات دولتهم وعدم قدرتهم على الإحاطة بكل ما يجري من تطورات في الإقليم وعلى الصعيد الدولي، التغيرات التي جرت في العلاقات الدولية وخاصة بعد الانتخابات الأميركية وبعد المعادلات التي تتبدل على الأرض في سورية والعراق ومصروالإقليم عموماً لجهة تراجع و انهيار مشروع التطرف والإرهاب الإسلامي الذي رعته جهات دولية وإقليمية ومن بينها دولة قطر التي كانت تعتقد أنها بركوبها هذه الموجة تستطيع أن تتحول إلى دولة إقليمية عظمى تستطيع التأثير على مجريات الأمور في المنطقة.
المأزق الذي وضعت قطر نفسها فيه سيؤثر بلا شك على كل حلفائها، وهذا ينطبق على حركة "حماس" التي بدأت تشعر باضطرار قطر لتغيير سياستها صاغرة تجاه الحركة بدءاً بالوقوف عاجزة أمام مشكلة الكهرباء في غزة وإخراج قيادات حمساوية من البلاد، وهو ما قد يقود إلى اتخاذ خطوات مؤلمة ضد "حماس". وربما ما حصل مع قطر، وقبل ذلك في قمة الرياض العربية - الإسلامية- الأميركية ووضع "حماس" على قائمة الإرهاب مثلها مثل "داعش" ، يقود إلى مراجعة عميقة وجدية لخيارات حركة "حماس" بشكل يجعلها نسنوعب أن ماكان بالأمس لا يصلح اليوم وغداً وأن خيارها الوحيد لإنقاذ نفسها وللمساهمة إيجاباً في الجهد الوطني لانجاز مشروع الحرية والإستقلال وقيام دولة فلسطين كاملة السيادة على الأراضي المحتلة منذ 1967 هو الانحياز للكل الوطني الفلسطيني وللمظلة الشرعية الحامية الوحيدة وهي منظمة التحرير، والسعي فوراً لإنهاء الإنقسام وتوحيد الصف في وجه المشروع الإستيطاني الإسرائيلي الذي يهدد مشروعنا الوطني.