طرْد دان مرغليت من "إسرائيل اليوم" بسبب انتقاد نتنياهو !

20170806103008.jpg
حجم الخط

ليس لدان مرغليت من يشكو منه غير نفسه. منذ البداية لم يكن واضحاً كيف واصل تلقي الأجر من «إسرائيل اليوم» في الفترة الأخيرة، حين تعاظم نقده لسياسة وسلوك بنيامين نتنياهو.
الخطيئة الاولى لمرغليت هي الانضمام الى بيبي تون (صحيفة بيبي) منذ البداية. سيخط اسم دان مرغليت الى الأبد في عصبة المؤسسين الذين أقاموا هذا الأمر المشين. أعرف واحداً أو اثنين من هذه العصبة ممن كانوا مستعدين ليتبرعوا بكلية على أن يشطب اسمهم من صفحة العار. في هذه الاثناء، فانهم يركلون من هناك بوتيرة سريعة. قبل بضعة أسابيع طُرد من هناك بركلة فظة «المحرر والمؤسس الأول» عاموس ريغف، والآن مرغليت.
وفر مرغليت للاديلسونيين البضاعة. مرحلة البناء هي الاكثر تعقيدا وتحديا في مشروع الدعاية والتعظيم من هذا النوع. «اسرائيل اليوم» كانت تحتاج لتقنع الجمهور في اسرائيل بأنها صحيفة وان لم تكن كذلك. فكيف يتم هذا؟ يتم التخفي في صورة صحيفة. بخلاف نشرات الدعاية في العالم التي تبدو كنشرات دعاية وتلقى معاملة نشرات الدعاية، كانت «اسرائيل اليوم» نشرة الدعاية التي تتخفى في صورة صحيفة حقيقية، مع أسرة تحرير متطورة، مواهب صحافية، ملاحق، وظاهراً أيضا جينات صحافية.
كان دان مرغليت الدرة في تاج التخفي. حلق ذهب في أنف خنزير. والآن يكتشف أنه كان طبق فضة عرضت عليه آلة الدعاية الخاصة الأغلى التي اقيمت في إسرائيل لسارة وبنيامين نتنياهو. داني قام بعمله، ويمكنه الآن ان يرحل. هكذا قالت السيدة وهكذا غردت، أول من امس، ابنة مرغليت. وبالذات عندما بدأت تضخ الانباء ان الصحيفة بدأت تبدي بوادر التمرد والاستقلال، جاءت اقالة مرغليت لتجسد لنا بان العالم كعادته يسير، وبسموت يحترم أوامر أسياده. أهكذا ينقضي المجد؟ أشك. أيام مجد مرغليت (وكانت كهذه)، لم تكن في «إسرائيل اليوم»، بل في اسرائيل أول من أمس.
أعرف القصة التي باعها مرغليت لنفسه. اصدق انه يصدق هذه القصة وضميره نقي. كما ينبغي أن نفهم الوضعية. صحافي كمرغليت، ولد في المهنة وسيموت فيها، ملزمون بمواصلة العمل.  اقول هذا لصالحه. عندما تقل الخيارات وتغلق ويأتي ثري أميركي مع قسيمة أجر خيالية، فان الانسان يجد طرقا ابداعية ليشرح لنفسه بان كل شيء على ما يرام. في هذا المقطع يذكر مرغليت بايهود باراك بقدر غير قليل. في كل مرة سئل فيها باراك كيف جلس في حكومة نتنياهو أربع سنوات والان يغرقه بمثل هذه الفظاظة يشرح الشرح الذي يذكرنا بدان مرغليت: الحكومة ذاتها في العام 2009 تضمنت وعدا، كان الموضوع الايراني وكانت آمال – باراك وبوغي وبيغن ومريدور، كان أمل.
كلما أخذ نتنياهو يفقد التوازنات والكوابح، هكذا بدأ مرغليت ينقط أيضا. في البداية تغريدات، بعد ذلك مقالات ايضا، أخذت في التناقص في البيبي تون، حتى ركلة، أول من أمس.
حتى هنا الظروف المخففة. أعرف الكثير جدا من الصحافيين ممن كانوا يقعون في هذا الفخ، مثلما وقع مرغليت. ومع ذلك، رغم الشماتة الاسرائيلية اللازمة، ليس يوما فرحا كان أول من امس للصحافة الاسرائيلية بل يوم آخر لا يمكنه فهمه في سلسلة طويلة لا تنتهي من الاحداث التعيسة، كل واحد منها يحطم الارقام القياسية لسابقاته، وفي السطر الاخير كل شي يمر بهدوء تام. الكلاب تنبح والقافلة تمر.
الحزن الحقيقي، أول من أمس، كان على رحيل شعيا سيجال، صحافي قديم ومقدر، رجل «معاريف»، فارس طبريا والجليل، انسان كله روح، حماسة، تفان، وصهيونية. توفي سيجال محطم القلب. حبه الكبير حقا فقده قبل بضع سنوات، عندما غرق صديقه القديم ارئيل شارون في سبات وتوفي بعد ذلك. سيجال ابعد من محيط شارون عندما أصبح رئيس وزراء، ووجد بديلا مهترئاً في قاطع نتنياهو. أصبح رجل الصلة بين شارون ونتنياهو وبعد ذلك المستشار الاستراتيجي المقرب من بيبي كوزير مالية وبعد ذلك كرئيس للمعارضة ورئيس للوزراء.
          لم يعرف نفسه أبدا كصديق لنتنياهو، مثلما كان بالنسبة لشارون. كان رجل سارة وبنيامين لحملات تنظيف خاصة، مستشارا استراتيجيا يهان، يلقى به في كل مرة من جديد، ولكن تثور في حينه مرة اخرى فضيحة عامة وأحد ما يحتاج ليصعد الى موجات الموقع ويضحي بنفسه في سبيل جلالة قدره. سيجال فعل هذا طواعية، حتى عندما رفض الآخرون، ومع كل القلب، وعلى الرغم من أنه عرف داخله الحقيقة، فقد أكل كل السمكات المتعفنة وفي نهاية اليوم طرد من المدينة أيضا.
منذ وقت غير بعيد، قفز رئيس الوزراء نتنياهو الى بيت سيجال في أزور. كان يعرف ان شعيا مريض. لم تأت معه عقيلته. يحتمل أن يكون نتنياهو رغب في الوداع، يحتمل أن يكون سعى ليتأكد بأن الكتاب الذي انكب عليه سيجال في السنوات الاخيرة (وركز على قصص العائلة الملكية) لن يرى النور. مهما يكن من أمر كان لدى الزوجين ما يكفي من الجرأة لان ينشرا، أول من أمس، بلاغ عزاء: «باسم عقيلتي وباسمي، أنقل تعازيّ لسارة وعائلة سيجال لوفاة عزيزنا شعيا رحمه الله»، كتب رئيس الوزراء.
لو كان بوسعه، لكان شعيا رد عليه، أول من أمس، على النحو التالي: «سيساعدني أكثر لو أن عقيلتك تعيد لي الاجر الهزيل الذي تمكنت مرة واحدة فقط من الحصول عليه بمبلغ 3.500 شيقل، والذي كانت طلبت استرداده على الفور بل حصلت عليه».  في كل سنوات عمله غير البسيط في خدمة الزوجين، لم يحصل سيجال على أي أجر. فقد وظف روحه ونشاطه وفي مرة واحدة تمكن من أن يحصل على الشيك الهزيل (في أعقاب استجواب صحافي) سارعوا للمطالبة باسترداد المال (بل حصلوا عليه). من حظنا ان التعازي تعطى بالمجان.

عن «معاريف»