يخطئ كل من لا زال يظن أو يعتقد بأن "حماس" حركة قابلة للشراكة السياسية، ولا يعود هذا لتقديرات أو تخمينات أو توقعات، ولا حتى يعود لتوجس له علاقة بالأصل الإخواني للحركة، ولكن هذا ما قالت به وأكدته الوقائع المثبتة والمتحققة منذ أن دخلت الحركة التي كانت حتى العام 2006 حركة معارضة للسلطة والمنظمة، وبالأخص لاتفاقات أوسلو التي مهدت الطريق، بل وحددت طابع الحكم الذاتي للسلطة الفلسطينية، التي فازت "حماس" بأغلبية مقاعد مجلسها التشريعي في ذلك العام.
سارعت حركة "حماس" فوراً على قبول تكليف رئيس السلطة لرأس قائمتها النيابية، إسماعيل هنية، وشكلت أول حكومة لها، هي الحكومة العاشرة للسلطة، ولم تسجل ولا في أي جلسة تشريعية، رغم قدرتها بأغلبيتها النيابية على تمرير مشروع أي قرار، بإلغاء أوسلو أو التنسيب لذلك مثلا، المهم أنها وبعد عام فقط من ذلك، آثرت فض الشراكة مع "فتح"، بعد أن تبين لها استحالة أن تنجح احتواء الرئيس وخنقه بسلطتها، وفضلت التفرد بقطاع غزة على شراكة تحكم عبرها مع "فتح" قطاع غزة، الضفة الغربية والقدس!
وكانت الظروف المحيطة بـ "حماس" في ذلك الوقت، ليست أفضل منها الآن، فلم يكن الأخوان قد وصلوا لحكم أي بلد عربي، بل ولم يكن الربيع العربي، الذي فتح الأبواب لحلفائهم وأشقائهم لحكم دول المنطقة، وكل متابع للشأن الفلسطيني الداخلي يعرف جيدا، بان عسكر "حماس" (القسام بالتحديد) رفض اتفاق مكة، الذي كان يريده هنية الذي كان ضعيفا تلك الأيام داخل "حماس"، وانه قبل بالاتفاق بسقف 3 شهور، تبين خلالها انه أي الاتفاق قد نجح في تظهير الحركة خارجيا، وحين تبين له عدم فتح أبواب الغرب والإقليم لتلك الحكومة، وبعد 90 يوما دون زيادة يوم واحد، فتح القسام نار الانقسام، وبعد أسبوع بالضبط كان يسيطر على قطاع غزة بالكامل!
منذ ذلك الوقت احتل "قطاع غزة" كمفردة ومصطلح مكانة فلسطين في خطاب "حماس" ومجمل أصدقائها وحلفائها الإقليميين، خاصة من الأخوان المسلمين، الذي صاروا يرفعون شعارات : "كلنا غزة"، "غزة رمز العزة" وما إلى ذلك، وباتت غزة / "حماس" هي قبلة الحجيج السياسي لأطراف هذا المحور من قطر لتركيا مرورا بجماعات الأخوان في أوروبا، وتحت بند كسر الحصار عن غزة، وبدعاوى إعمارها ونصرتها، انحسر "كفاح أو جهاد" هؤلاء عن القدس والضفة الغربية، وكأنها محررة من الاحتلال الإسرائيلي أو أنها تخص عدوا هو الفلسطيني / الفتحاوي، أو على أقل تقدير ليست من بلاد العرب أو المسلمين في شيء!
وكما حدث قبل أكثر من نصف قرن، حين كانت أحزاب البعث ترفع شعارات القومية العربية وتقيم على الأرض دولا قطرية، ولا أدل على هذا من حزب البعث الذي وصل للحكم في بلدين متجاورين هما : العراق وسورية، وبدل أن يوحدهما ضمن دولة واحدة، دخل طرفا الحزب في البلدين في "حرب باردة" لم تهدأ ولا حتى بعد إسقاط نظام صدام حسين، لدرجة أن نظام البعث السوري كان يجد نفسه حليفا لأي عدو للنظام العراقي، إيران منذ عام 1980 _ 1988، وأميركا في عام 1991 في حفر الباطن، وما بعد ذلك!
هاجس "حماس" إذاً هو أن تبقى في غزة أولاً، وثانياً في أن تمدد سلطتها، إن كان على حساب سيناء أو الضفة أو البحر، وثالثاً أن تحقق اكبر قدر من الثروة الممكنة، وهي تسعى لتحقيق كل هذا من خلال مواجهة أضعف الحلقات، وهي السلطة الفلسطينية التي ترفض ما تقبله "حماس"، لذا ظلت "حماس" "شريكا مفضلا" لإسرائيل / اليمين بالذات.
"حماس" تدرك جيدا بان السلطة عاجزة عن إسقاطها عسكريا من حكم غزة، وتدرك استحالة أن تقدم مصر على الدخول عسكريا لغزة، ولان إسرائيل فقط هي من يمكنه إسقاطها، فهي تعلم تماما، بان إسرائيل لن تقدم على هذا، إلا في حالة واحدة وهي أن يقبل أبو مازن العودة لغزة، وإقامة الدولة فيها فقط، أي الدولة بالحدود المؤقتة والتي كان اقترحها شمعون بيريس عام 2002، وبالطبع فأن أبو مازن لا يمكنه القيام بهذا لأكثر من سبب، أبسطها عدم قدرته على تمرير مثل هكذا اتفاق.
أيضا هناك مشكلة تحول دون قدرة "حماس" ونتنياهو على التوصل لمثل هذا الاتفاق وتمريره فلسطينيا، لذا فإنهما يفضلان الذهاب إليه بالتدريج، في انتظار ظروف أفضل، ربما تكون حين يختفي أبو مازن عن المسرح السياسي، أي انه يمكن لـ "حماس" وإسرائيل أن يتوصلا لاتفاق مرحلي أو مؤقت، على شاكلة اتفاق أوسلو، مضمونه ما طرحته الحركة من مطالب إبان الحرب الثالثة على غزة، قبل عام، وهي هدنة طويلة مقابل الميناء والمطار، وهنا يمكن للوسيط التركي، كما يمكن للمفاوض أن يبدع في الأفكار العملية من نمط ميناء عائم بالبحر، بين غزة وقبرص التركية، أي ضمن حدود ومجال الحكم الذاتي، تماما كما كان حال مطار غزة ضمن مثلث عمان لارنكا العريش!
مثل هذا الواقع، وفي حال غياب عباس عن المسرح أن يفرض البحث في مستقبل الضفة الغربية والقدس بمعزل عن مستقبل غزة، الذي كان للتو قد تم التوصل إلى حل بشأنه، وهذا يعني أن المفاوض "الفلسطيني" سيجد نفسه مجبرا على التفاوض على مستقبل الضفة والقدس وحسب، وان يتحدث باسم أهلها فقط، أي باسم مليونين ونصف المليون فلسطيني، لا باسم 11 مليوناً، وبذلك، لن يكون بمقدوره ليس فقط عدم التحدث باسم فلسطينيي غزة، ولكن أيضا عدم التحدث باسم الشتات، لأن سابقة الاتفاق مع "حماس" حول غزة، سيكون من شأنها، تمكين الإسرائيليين من التفاوض مع الفلسطينيين بـ "القطّاعي"، وهكذا سيسقط حق العودة "تحت الرجلين" فيما لن يتجاوز اتفاق السلطة مع إسرائيل حول الضفة والقدس، في أحسن أحواله حدود الحكم الذاتي والشكل الانتقالي أو المرحلي، كما حدث مع غزة، فيما يبقى الحل الدائم والنهائي أو الوضع النهائي في إطار الحل الإقليمي، تماماً كما يخطط نتنياهو!
سارعت حركة "حماس" فوراً على قبول تكليف رئيس السلطة لرأس قائمتها النيابية، إسماعيل هنية، وشكلت أول حكومة لها، هي الحكومة العاشرة للسلطة، ولم تسجل ولا في أي جلسة تشريعية، رغم قدرتها بأغلبيتها النيابية على تمرير مشروع أي قرار، بإلغاء أوسلو أو التنسيب لذلك مثلا، المهم أنها وبعد عام فقط من ذلك، آثرت فض الشراكة مع "فتح"، بعد أن تبين لها استحالة أن تنجح احتواء الرئيس وخنقه بسلطتها، وفضلت التفرد بقطاع غزة على شراكة تحكم عبرها مع "فتح" قطاع غزة، الضفة الغربية والقدس!
وكانت الظروف المحيطة بـ "حماس" في ذلك الوقت، ليست أفضل منها الآن، فلم يكن الأخوان قد وصلوا لحكم أي بلد عربي، بل ولم يكن الربيع العربي، الذي فتح الأبواب لحلفائهم وأشقائهم لحكم دول المنطقة، وكل متابع للشأن الفلسطيني الداخلي يعرف جيدا، بان عسكر "حماس" (القسام بالتحديد) رفض اتفاق مكة، الذي كان يريده هنية الذي كان ضعيفا تلك الأيام داخل "حماس"، وانه قبل بالاتفاق بسقف 3 شهور، تبين خلالها انه أي الاتفاق قد نجح في تظهير الحركة خارجيا، وحين تبين له عدم فتح أبواب الغرب والإقليم لتلك الحكومة، وبعد 90 يوما دون زيادة يوم واحد، فتح القسام نار الانقسام، وبعد أسبوع بالضبط كان يسيطر على قطاع غزة بالكامل!
منذ ذلك الوقت احتل "قطاع غزة" كمفردة ومصطلح مكانة فلسطين في خطاب "حماس" ومجمل أصدقائها وحلفائها الإقليميين، خاصة من الأخوان المسلمين، الذي صاروا يرفعون شعارات : "كلنا غزة"، "غزة رمز العزة" وما إلى ذلك، وباتت غزة / "حماس" هي قبلة الحجيج السياسي لأطراف هذا المحور من قطر لتركيا مرورا بجماعات الأخوان في أوروبا، وتحت بند كسر الحصار عن غزة، وبدعاوى إعمارها ونصرتها، انحسر "كفاح أو جهاد" هؤلاء عن القدس والضفة الغربية، وكأنها محررة من الاحتلال الإسرائيلي أو أنها تخص عدوا هو الفلسطيني / الفتحاوي، أو على أقل تقدير ليست من بلاد العرب أو المسلمين في شيء!
وكما حدث قبل أكثر من نصف قرن، حين كانت أحزاب البعث ترفع شعارات القومية العربية وتقيم على الأرض دولا قطرية، ولا أدل على هذا من حزب البعث الذي وصل للحكم في بلدين متجاورين هما : العراق وسورية، وبدل أن يوحدهما ضمن دولة واحدة، دخل طرفا الحزب في البلدين في "حرب باردة" لم تهدأ ولا حتى بعد إسقاط نظام صدام حسين، لدرجة أن نظام البعث السوري كان يجد نفسه حليفا لأي عدو للنظام العراقي، إيران منذ عام 1980 _ 1988، وأميركا في عام 1991 في حفر الباطن، وما بعد ذلك!
هاجس "حماس" إذاً هو أن تبقى في غزة أولاً، وثانياً في أن تمدد سلطتها، إن كان على حساب سيناء أو الضفة أو البحر، وثالثاً أن تحقق اكبر قدر من الثروة الممكنة، وهي تسعى لتحقيق كل هذا من خلال مواجهة أضعف الحلقات، وهي السلطة الفلسطينية التي ترفض ما تقبله "حماس"، لذا ظلت "حماس" "شريكا مفضلا" لإسرائيل / اليمين بالذات.
"حماس" تدرك جيدا بان السلطة عاجزة عن إسقاطها عسكريا من حكم غزة، وتدرك استحالة أن تقدم مصر على الدخول عسكريا لغزة، ولان إسرائيل فقط هي من يمكنه إسقاطها، فهي تعلم تماما، بان إسرائيل لن تقدم على هذا، إلا في حالة واحدة وهي أن يقبل أبو مازن العودة لغزة، وإقامة الدولة فيها فقط، أي الدولة بالحدود المؤقتة والتي كان اقترحها شمعون بيريس عام 2002، وبالطبع فأن أبو مازن لا يمكنه القيام بهذا لأكثر من سبب، أبسطها عدم قدرته على تمرير مثل هكذا اتفاق.
أيضا هناك مشكلة تحول دون قدرة "حماس" ونتنياهو على التوصل لمثل هذا الاتفاق وتمريره فلسطينيا، لذا فإنهما يفضلان الذهاب إليه بالتدريج، في انتظار ظروف أفضل، ربما تكون حين يختفي أبو مازن عن المسرح السياسي، أي انه يمكن لـ "حماس" وإسرائيل أن يتوصلا لاتفاق مرحلي أو مؤقت، على شاكلة اتفاق أوسلو، مضمونه ما طرحته الحركة من مطالب إبان الحرب الثالثة على غزة، قبل عام، وهي هدنة طويلة مقابل الميناء والمطار، وهنا يمكن للوسيط التركي، كما يمكن للمفاوض أن يبدع في الأفكار العملية من نمط ميناء عائم بالبحر، بين غزة وقبرص التركية، أي ضمن حدود ومجال الحكم الذاتي، تماما كما كان حال مطار غزة ضمن مثلث عمان لارنكا العريش!
مثل هذا الواقع، وفي حال غياب عباس عن المسرح أن يفرض البحث في مستقبل الضفة الغربية والقدس بمعزل عن مستقبل غزة، الذي كان للتو قد تم التوصل إلى حل بشأنه، وهذا يعني أن المفاوض "الفلسطيني" سيجد نفسه مجبرا على التفاوض على مستقبل الضفة والقدس وحسب، وان يتحدث باسم أهلها فقط، أي باسم مليونين ونصف المليون فلسطيني، لا باسم 11 مليوناً، وبذلك، لن يكون بمقدوره ليس فقط عدم التحدث باسم فلسطينيي غزة، ولكن أيضا عدم التحدث باسم الشتات، لأن سابقة الاتفاق مع "حماس" حول غزة، سيكون من شأنها، تمكين الإسرائيليين من التفاوض مع الفلسطينيين بـ "القطّاعي"، وهكذا سيسقط حق العودة "تحت الرجلين" فيما لن يتجاوز اتفاق السلطة مع إسرائيل حول الضفة والقدس، في أحسن أحواله حدود الحكم الذاتي والشكل الانتقالي أو المرحلي، كما حدث مع غزة، فيما يبقى الحل الدائم والنهائي أو الوضع النهائي في إطار الحل الإقليمي، تماماً كما يخطط نتنياهو!