بدأت أنباء الضغوط القطرية على حركة "حماس" الفلسطينية، بالظهور قبل الأزمة التي بدأت الإثنين الفائت، بمقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر لدولة قطر. ومن المهم ملاحظة أنّ الضغوط بدأت بعد "جرعة" المرونة التي قدمتها "حماس"، في وثيقتها الأخيرة، التي وافقت على برنامج أساسه دولة على حدود العام 1967، وبعد مناشدة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق للحركة، الإدارة الأميركية للانفتاح على "فرصة" تقدمها "حماس".
هناك ثلاثة عوامل يجدر وضعها في صلب تحليل وضع "حماس" الراهن. ولكن يجدر قبل عرض هذه العوامل، التنويه إلى تسلسل أخبار أزمة "حماس" في قطر. فقبل يومين من اندلاع الأزمة، نشرت قناة "الميادين" أنباء مفادها أن قطر أبلغت "حماس" بأسماء أشخاص من أعضائها يجدر مغادرتهم البلاد. ونفت "حماس" ذلك، وقالت إن مغادرة قيادات سببه ترتيبات داخلية في الحركة، ونقلت صحيفة "القدس" الفلسطينية عن مصادر في "حماس" أن الطلب القطري كان وقف تخطيط نشاطات عسكرية من قطر، ضد إسرائيل، ما يعني ضمناً انتقال أي شخص يقوم بمثل هذا النشاط أو وقف النشاط، وفي الحالتين يشكل هذا أزمة لحركة "حماس". ثم جاء تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في باريس، يوم الثلاثاء، يطلب وقف الدعم القطري لحماس، وهو ما ردت عليه "حماس" ببيان تعرب عن صدمتها.
العامل الأول الذي يفسر الحالة الراهنة، هو أنّ "حماس"، وفيما يبدو أنّه تشجيع من قطر، غيّرت من مواقفها فدخلت انتخابات 2006، وطرحت هذا العام وثيقة جديدة، وطرحت نفسها على أنها كيان رسمي، وطرف يمكن التفاوض معه، ويبدو أن النصيحة أو الوعد القطري أنّ هذا يؤهلها للقبول على الساحة الدولية.
عملية التحول من حركة سرية، إلى منظمة بيروقراطية، لها مكاتب وتتبع لها حكومة وجيش شبه نظامي، في قطاع غزة، يعني أنّ حسابات الحركة ستكون الآن حسابات الدول والكيانات. وأول وظائف الكيانات وأشباه الدول، كما تحددها أبجديات العلوم السياسية، الحفاظ على ذاتها ووجودها، وأمنها، ما يجعلها تقدم تنازلات ايديولوجية وفكرية وسياسية دائمة. ويصبح تأمين مكان لوجودها، ومصدر تمويلها، هو الحلقة الضعيفة التي يجري الضغط بها عليها، ومطالبتها بالمزيد من التنازلات لتصبح مقبولة، هذا فضلا عن أنها بذلك تؤلب أطرافا تخشى من دخول هذا الكيان الجديد في المشهد، وما عقّد الأمور بالنسب لحركة "حماس" انتماؤها لجماعة الإخوان المسلمين، التي بات هناك قرار من عدة دولة بتصفيتها.
ثاني العوامل، هو ما يمكن تسميته متلازمة علي حسن سلامة، مسؤول الأمن في حركة "فتح" الذي اغتاله الإسرائيليون في لبنان، نهاية السبعينيات. فحينها كان سلامة مسؤول التنسيق والاتصال مع الاستخبارات الأميركية لمحاولة التوصل لحل للقضية الفلسطينية، وهو ما أساء الإسرائيليين. ولا يجب استبعاد تكرار الاسرائيليين لسياساتهم التي تقطع الطريق على أن تكون تنازلات "حماس" بوابة الاعتراف بها. ويتضح الآن أنّ اللوبي الاسرائيلي سعى جاهدا للضغط على الفندق الذي كان من المقرر أن تعلن "حماس" وثيقتها منه، في قطر، ليلغي ذلك، وذلك بالاتصال مع مسؤولين عرب لهم علاقة بمن يملك الفندق، وقد غيرت "حماس" كما هو معروف مكان إعلان وثيقتها في اللحظة الأخيرة. وبالتالي فإنّ وثيقة "حماس" الأخيرة جزء أساسي من أسباب الحملة ضدها.
ثالث العوامل، أنّ أي دولة لها حسابات (كما جرى توضيحه في النقطة الأولى)، في مقدمتها أمنها وبقاؤها ومصالحها قبل أي شيء، ويتم دائما التضحية بأي طرف خارجي، حليف، وبأي مبادئ سياسية أو ايديولوجية، إذا شكلت خطرا على الدولة، وبالتالي من الطبيعي أن حلفاء "حماس" ومنهم قطر لن يدافعوا عن الحركة للنهاية. كما أن بعض السياسيين العرب، سيرون في الضغط على "حماس" ثمنا مقبولا يقدمونه لتحسين علاقاتهم مع أطراف جماعات الضغط الأميركية.
جزء من أزمة "حماس" الحالية مرتبط بانتمائها للإخوان المسلمين، وجزء مرتبط بتحولها لتنظيم رسمي علني وحكومة (في غزة)، ومرتبط بمحاولاتها اختراق السياسة الرسمية الدولية. وعلى أي حركة تقدم نفسها كحركة تحرر، أن تفكر مليا في كل جزئية من هذه الجزئيات، وفي كيفية التعامل معها، وفي كيف وصلت إليها.
*الغد الاردنية