قطر و«حماس»: نهاية المغامرة السياسية

a655d6784b87cfbddcec71d2f4ff3be5.jpg
حجم الخط

 

رغم أن التحالف بين قطر و"حماس" حديث العهد، مدته بالكاد خمس سنين
، إلا أن أوجه الشبه بينهما تبدو كبيرة، ورغم أنه في حقل السياسة عادة ما تقوم التحالفات على توافق في المصالح، بشكل قد يكون مؤقتاً، لذا فإنه ليس هنالك من تحالفات دائمة أو ثابتة، تماماً كما يتم عقد الصفقات التجارية بين التجار، من يشتري البضاعة منهم ومن يبيعها، نقول رغم كل هذا، إلا أن هناك وجه شبه بين قطر و"حماس"، يتجلى في التعامل مع السياسة كما لو كانت مغامرة، تصل أحياناً للمقامرة بكل شيء، وربما يعود هذا الأمر إلى أن كليهما وصل إلى المكانة المتقدمة من النفوذ والسلطة السياسية دون عناء.
فقطر كما هو حال معظم الخليج، ولكن بشكل خاص هذه الإمارة الصغيرة جغرافيا، قليلة العدد سكانياً، انتفخت بعد اكتشاف الغاز فيها بشكل هائل لدرجة أن تكون أكبر دولة مصدرة له في العالم، فصارت مثل البالون الضخم، الذي لا بد من أن تأتيه لحظة "يفرقع" فيها، فظنت أنه يمكنها أن تتحكم بأموالها في كل العالم العربي بدوله العريقة، من مصر، إلى سورية، الجزائر والمغرب مروراً باليمن وليبيا وحتى السعودية، وكل ذلك عبر القيام بقلب نظام الحكم، من خلال خطة الشرق الأوسط الجديد الخاصة بالحزب الديمقراطي الأميركي. 
أما "حماس" فبين عشية وضحاها وجدت نفسها تفوز في انتخابات العام 2006 بالأغلبية البرلمانية وتشكل الحكومة منفردة، ولأنها لا تعمل مع الآخرين، كما لا تؤمن بالديمقراطية فقد لجأت للانقلاب العسكري عام 2007 لتستبد بقطاع غزة، وترهن كل المشروع الوطني لإدارتها الانقلابية، وحيث أنه حكم قطر منذ استقلالها أربعة أمراء نجد ثلاثة منهم جاؤوا عبر انقلابهم على اقرب الناس إليهم: تميم انقلب على أبيه حمد الذي كان انقلب بدوره على أبيه خليفة الذي كان انقلب على ابن عمه أحمد بن علي، أما "حماس" فقد انقلبت على شقيقها الوطني حركة "فتح" وعلى الرئيس محمود عباس الذي نظمت في عهده انتخابات العام 2006 وكان ديمقراطياً معها فلم يتم تزوير الانتخابات ونزولاً عند نتائجها قام بتكليفها بتشكيل الحكومة، وحين لجأت للانقلاب، آثر ألا يرد على النار بالنار، وواصل عبر عشر سنوات أخذهم باللين وبالتي هي أحسن.
الحكم القطري توافق مع "حماس" في أن كليهما بلا أخلاق، وأن التحالف بينهما لم تكن له علاقة لا من قريب أو بعيد لا بدعم القضية الفلسطينية، ولا بالمقاومة، وأسهل دليل يمكن تقديمه بهذا الخصوص، هو أن قطر تدعم غزة / "حماس" وليس كل فلسطين، واهتمت بـ"حماس" كجزء من الإخوان المسلمين الذين كانوا أداتها في قلب نظام الحكم العربي، منذ عام 2011، و"حماس" موجودة منذ عام 1988، بل وحتى أن "حماس" تحكم غزة منذ عام 2007، ولم تهتم بها قطر سوى منذ عام 2011 حين غادرت قيادة "حماس" دمشق وأقامت في الدوحة، ثم وحتى تضمن السيطرة على "حماس" وغزة معاً، لم تقدم قطر لهما سوى النزر اليسير الذي لا يقارن بما تصرفه قطر على ملعب كرة قدم (مصاريف البنية التحتية لكاس العالم 2022 تكلف قطر 200 مليار دولار، بينما كل ما تحتاجه غزة حتى تصبح سنغافورة هو 4 مليارات). لأن قطر تريد أن تلفظ "حماس" تماماً القسام حتى تقوم بأعمارها، وقد قطعت شوطاً حين "وصلت اللقمة للفم "بوثيقة "حماس" وتنصيب هنية والسنوار، حتى يكون العمادي هو الحاكم الفعلي لغزة.
وضعت قطر _ بسذاجة سياسية، كل بيضها السياسي في سلة الربيع العربي، وكانت حضرت له منذ عقدين أي منذ عام 1995، كذلك فعلت "حماس" التي وضعت كل بيضها السياسي في سلة قطاع غزة _ الانقلاب، بحيث ضحت بوجودها في الضفة الغربية، وفي سورية وفي الأردن وحتى لبنان، وكما ناصبت بذلك قطر جيرانها في مجلس التعاون الخليجي العداء والدول العربية المركزية _ مصر والسعودية، الجزائر والمغرب والأردن _ وقد تجلى ذلك في حجم المقاطعة التي شملت نصف الدول العربية خلال 48 ساعة من إقدام الدول الأربع: السعودية ومصر، الأمارات والبحرين بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، لا تتمتع "حماس" بأي علاقة حسنة لا مع فتح ولا مع كل التنظيمات والفصائل الأخرى والأهم الشعب في قطاع غزة.
وخلال سنوات تحول نظام قطر وحركة "حماس" كما هو حال البطة السوداء، لذا فإنه ما أن رفعت واشنطن يدها عن قطر، التي لعبت على الحبال، طوال السنوات الماضية، بحجة إسقاط النظام العربي فتحت الخطوط وقدّمت كل أشكال الدعم لجماعات سياسية متطرفة، ليس هي أحسن حالاً من النظام العربي الحالي، وحتى أن قطر لا تنكر بل تجاهر بتبني الإخوان كبديل عن النظام العربي الحالي _ طبعا هي تستثني نفسها من هذا، رغم أنها نظام ملكي وراثي فردي مستبد وفاسد جدا _ وكأن الإخوان حركة حداثية أو ديمقراطية، وليست حركة سلفية محافظة، حين تصل السلطة تقيم نظاما شموليا مستبدا وفاسدا وقمعيا جدا، وقد حدث هذا في مصر وتونس، وما زال يحدث في غزة.
أي أن بديل قطر ليس ديمقراطيا، فهي لم تقل بدولة المواطنة ولا دولة القانون ولا الدولة المدنية _ كما كان يتشدق مثلا عزمي بشارة الذي اعتزل السياسة ليعيش عيشة الملوك فيها، لذا فإن قطر و"حماس" الآن بعد أن تغيرت إدارة البيت الأبيض باتتا في أسوأ حال.
المهم أنهما عديما الحس السياسي المسؤول، فكان على تميم أن يدرك مبكرا أن مشروعه قد فشل، منذ سقوط نظام المرشد في مصر عام 2013، كذلك كان على "حماس" أن تدرك الأمر نفسه منذ ذلك العام، والآن لم يبق من خيار لهما إلا احد اثنين، إما أن تسلم قطر بالانضباط في مجلس التعاون الخليجي، وأن تنضوي "حماس" في إطار السلطة والمنظمة، أو أن تذهبا إلى إيران، وهذا خيار انتحاري تماما، لأن إيران وسورية وحزب الله في اضعف حال، ولعل رسالة أول من أمس بالتفجير في البرلمان وفي ضريح الخميني دليل على أن إيران مقبلة على حرب داخلية، أو أن ضرب إيران لن يكون بالضرورة من الخارج، فيما "حماس" لن يعني ذهابها إلى ماليزيا أو أنقرة أو إيران، إلا بمثابة الاختيار بين الانتحار والتقاعد السياسي