لا شك أن لأوضاع السياسية التي تعيشها حركة "حماس" محرجة وصعبة للغاية، في إطار التحرك الخليجي ضد قطر التي تربطها علاقات وثيقة بالحركة الحمساوية وتستضيف عدداً من قياداتها، وما تنفك تقدم الدعم بكل أنواعه للإخوان المسلمين.
وضع "حماس" صعب لأنها لا تمتلك الكثير من الأصدقاء، وهي ظلت بحاجة إلى بناء علاقات صداقة ومودة مع دول كثيرة، ليس لضمان تأمين وجودها في الحكم بقطاع غزة فحسب، وإنما للحصول على أموال تمكنها من إدارة شؤونها.
الحركة واجهت مشكلتين في التعامل مع الملف الفلسطيني عموماً، المشكلة الأولى تتعلق بالسياسة الخارجية، إذ لم تتمكن "حماس" من كسب الأصدقاء وهي التي تشكل جزءاً من حركة الإخوان المسلمين، بل زادت العداوة مع الجارة مصر، على خلفية اتهام الأخيرة بتدخل "حماس" في شؤونها الداخلية، وأنها لها ضلع في عمليات إرهابية وقعت في سيناء.
على الصعيد الداخلي ثمة حديث كثير وشواهد في هذا الموضوع، إذ لم تحسن "حماس" فعلاً إدارة قطاع غزة، فهي التي تعتبر شريكاً رئيسياً في الانقسام الفلسطيني الذي حصل منتصف حزيران 2007، وهذا الانقسام هو الذي قادها للاستيلاء على القطاع.
لا يمكن لحركة مقاومة تتبنى الفعل المقاوم أن تدخل في انقسام خطير إلى هذا المستوى، وتظل تدير قطاع غزة وفق تصنيف "من ليس معي فهو ضدي"، إذ حدث أن انغلقت الحركة بالفعل على نفسها، وكونت مجتمعاً خاصاً بها رديفا للمجتمع الفلسطيني في غزة بامتيازات وصلاحيات متنوعة.
كان على "حماس" منذ أن فازت على حركة "فتح" في انتخابات المجلس التشريعي 2006، أن تجرب حظها في الحكم وأن تترجل عنه إذا اقتضت الضرورة والمصلحة العامة حماية وصون المكتسبات الفلسطينية، غير أنها فضلت الحكم على المقاومة، فتبدل مزاج "حماس" العام إلى أولوية إدارة قطاع غزة.
نتيجة قصور في السياسة الخارجية وقصور آخر في السياسة الداخلية، كل ذلك أثّر بشكل كبير على جماهيرية "حماس" وجعلها يوماً بعد يوم أكثر انكشافاً، خصوصاً وأن أجندتها كانت تستوعب توسيع دور حركة الإخوان المسلمين في العالم العربي.
الآن تشعر "حماس" أكثر من أي وقت مضى بأنها محشورة في الزاوية، فعلاقتها مع الشقيقة مصر هي علاقة حب من طرف واحد، أي من جهة "حماس" فقط، ويكفي الاستدلال على ذلك بمعبر رفح البري الذي يشكل مقياساً لطبيعة العلاقة بين الحركة الحمساوية ومصر.
وعلاقتها بجيرانها العرب ليست جيدة أيضاً، وجاء التحرك الخليجي لعزل قطر بسبب تهم كثيرة من بينها دعمها للإرهاب وإيواؤها جماعات إرهابية، هذا التحرك وضع "حماس" في خانة "اليك"، خصوصاً بعدما رشح عن مصادر إخبارية أن القيادة القطرية سلمت "حماس" رسالة تدعوها لمغادرة الأراضي القطرية.
في إطار هذا وفي ظل الانقسام الفاضح والملعون الذي يصيب الشعب الفلسطيني قبل القيادات، على "حماس" أن تحسب ألف حساب وتضبط تحركاتها السياسية، إذ باتت تضيق الخيارات أمامها، وبالتالي فإن أفضل خيار للحركة هو تحركها إلى العمق الفلسطيني الداخلي، إلى امتدادها الطبيعي حيث العودة عن الانقسام.
أفضل خيار تقوم به "حماس" إذا أرادت ذلك، هو الإسراع في وضع ترتيبات لإنهاء الانقسام الفلسطيني، بدون الحديث عن شروط مسبقة، ذلك أن الشعب الفلسطيني سئم سياسة إدارة الظهر له، وسئم من حالة التركيز على أسباب تدهور حياته المعيشية، وهو الذي يفضل البحث في قضايا أهم مثل ملاحقة الاحتلال الإسرائيلي والصمود أمام العوائق التي يفرضها ويكرسها لطمس الشعب الفلسطيني وهويته.
الخيار الآخر المطروح أمام "حماس"، هو رهانها على أحصنة أخرى غير قطر، بمعنى التفكير في إيجاد دول تعتمد عليها مالياً وسياسياً، مثل تركيا وإيران، غير أن المراهنة عليهما هي خسارة صافية، لأن "حماس" بذلك تكون قد أسهمت بشكل فعلي في عزلها دولياً وتضييق الخناق عليها.
أساساً تعيش "حماس" في حالة حصار نتيجة سياساتها، لكن المزاج الدولي والعربي والخليجي يذهب إلى حد التشكيك بدورها، على اعتبار أنها تمارس السياسة خارج نطاقها الجغرافي، ثم إن وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحركة بأنها إرهابية، من شأنه أن يزيد التعقيد ويؤثر على وضعها خارجياً وداخلياً.
"حماس" جزء مهم ومكون أصيل من الشعب الفلسطيني ولا يجوز تجاوزها، لكنها في حقيقة الأمر بحاجة إلى مراجعة مواقفها وأدوارها، لأن المعركة الأساسية والرئيسية هي مع الاحتلال الإسرائيلي، وليس مع "فتح" والسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
الخياران مطروحان لدى قيادة "حماس"، إنما وبالاحتكام إلى فلسفة الحركة في التعامل مع الملفات الساخنة، فعلى الأغلب أنها ستتعامل مع الملف الخارجي ببراغماتية عالية، وهذا يعني أنها ستحاول طرق أبواب جديدة وتحسين خطها مع مصر وتركيا وإيران.
وعلى الصعيد الداخلي، لن تتنازل "حماس" بسهولة عن إدارة قطاع غزة، فحتى هذه اللحظة تتصرف الحركة على أنها في الموقع الأول في سلم الفصائل الفلسطينية، ثم إن الحكم في غزة بالنسبة لها يعني مكتسبات وظيفية وأموالا وسيادة وقرارا.
لقد راهنت الحركة على الانقسام الداخلي من أجل تعظيم مكاسبها الخاصة، وتطلعت إلى الفعل الخارجي والسياسة الخارجية لتعظيم مكاسب الإخوان المسلمين، لأن ذلك سيعود عليها بالمنفعة، غير أنها تخسر الكثير يوماً بعد يوم إذا لم تتوقف عن سياساتها هذه.
آخر ما تفعله "حماس" إذا ما شعرت أنها بضائقة كبيرة، هو تصعيد الحرب مع إسرائيل، حيث أن ذلك قد يخدمها للخروج من عنق الزجاجة والتهرب من سؤال وماذا بعد؟ وتدرك الحركة أن هذا الخيار قد يكلفها الكثير، لأن الشعب الفلسطيني متعب جداً من الحروب، ويرى في الأولويات تخفيف المعانيات عنه لا إشعال الحروب في هذا الوقت الصعب الذي يمر فيه.
قد تكون زيارة وفد حركة "حماس" المفاجئة بقيادة يحيى السنوار إلى مصر، محاولة استدراكية استكشافية تهدف إلى تلطيف الأجواء مع القاهرة، ذلك أن "حماس" تريد بأي شكل من الأشكال تحقيق انفراج على الصعيد الداخلي، يقود إلى تخفيف الحصار عن غزة وفتح معبر رفح.
هذه الزيارة تعكس الورطة التي تعيشها "حماس" الآن، وإلا ما كانت مفاجئة وفي هذا الوقت الحساس، فمن طبيعتها أن تفحص في كافة الأسباب غير المكلفة نسبياً، التي يمكن أن تزيل توتراتها وفتيل الأزمة، قبل أن تقبل على خيارات صعبة أحلاها مر بالنسبة لها.
بدء اجتماع بين حماس وفتح في القاهرة
09 أكتوبر 2024