يذهب كثير من الفلسطينيين في تفسير الأزمة الفلسطينية في حكم حماس في قطاع غزة وسيطرتها عليه حسب رغباتهم وموقفهم من حماس، وتحميلها وحدها مسؤولية الانقسام الفلسطيني والحصار الاسرائيلي الذي يفاقم حياة الفلسطينيين في القطاع.
وتتماهى هذه الرغبات باختزال واتهام حماس مع ما يجري من حرب تقودها السعودية ضد قطر وتحميلها وزر دعم الارهاب الذي يسود المنطقة العربية، والتي تسابقت دول الخليج خاصة السعودية والإمارات وقطر بدعمه وتمويله، والاهم التطرف الفكري ومنبعه الأساسي السعودية، وتماهت الولايات المتحدة وأوروبا في دعمه وتمويله لخلق الفوضى في دول الربيع العربي وتعزير اسرائيل ومكانتها في الشرق الاوسط على حساب اي مشروع قومي عربي.
واختزال التردي العربي بالخلاف السعودي القطري والإجراءات التي اتخذتها السعودية ضد قطر والحرب الشعواء التي تشنها السعودية ضد قطر، فهي حرب الوصاية والسباق على السيطرة على منطقة الخليج والمنطقة العربية وفرض سياساتها المتماهية مع المشروع الامريكي الاسرائيلي والشرق الاوسط الجديد، واعادة الاعتبار له وتقسيم المنطقة العربية على أساس اثني طائفي سنة وشيعة. والاصطفافات في المنطقة العربية والمشاريع المتصارعة على المنطقة العربية دوليا واقليما في غياب المشروع العربي والذي فشلت اي من الدول العربية المركزية سواء مصر او السعودية في ان تقود مشروع عربي قومي نهضوي يواجه المشاريع المتصارعة الاسرائيلية والإيرانية والتركية.
الانقسام اسبابه معروفة وواضحة، وفتح وحماس هما سبب الإنقسام وصراعها على السلطة والسيطرة على النظام السياسي الفلسطيني وقيادة المشروع الوطني كل حسب رؤيته، وأطراف عدة غذت الانقسام وليست قطر وحدها، فكثير من الدول العربية لا تزال تتحمل المسؤولية عن استمرار الانقسام، وتنطلق من رؤيتها للصراع العربي الاسرائيلي وعدم قدرتها على اجبار طرفي الانقسام على إنهاءه، لأنها طرف في الانقسام وكل دولة حسب مصالحها ورؤيتها.
اسرائيل المستفيدة الاولى من الانقسام الفلسطيني، وهي تحاصر قطاع غزة، ليس لان حركة حماس تسيطر على القطاع فقط، انما لان قطاع غزة هو عنوان القضية الفلسطينية ورافعة المشروع الوطني، ومطالبات حماس بالتنازل استجابة لجهود المصالحة والتخفيف عن حياة الناس المتردية غير موضوعية.
وهنا يبرز السؤال: هل فتح والرئيس ابو مازن مستعد للتنازل عن رؤيته لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بالمفاوضات والجهود السياسية والدبلوماسية؟ ولماذا لا تتوقف اسرائيل عن حصار قطاع غزة؟ ويدفع الناس الثمن وهل اسرائيل تمارس سياسات ديمقراطية تجاه القدس والضفة الغربية وحياة الناس هناك وردية تحت الاحتلال وهل انسحبت اسرائيل منها وأوقفت الاستيطان؟
مطالبة حماس بالتنازل من اجل استعادة الوحدة الوطنية مهمة، لكن اي وحدة وطنية، وما هو الأساس للوحدة الوطنية؟ واي مشروع وطني وأي استراتيجية وطنية يجب ان يتبناها الفلسطينيين بعد ٢٤ عاما من إقامة السلطة، وفشل المفاوضات، ومشروع الرئيس عباس لا يتقدم خطوة والاوضاع الفلسطينية تسير من السيء للأسوأ واسرائيل مستمرة في مشروعها.
ما تعيشه المنطقة العربية هو ضمن مخطط الشرق الاوسط الجديد واعادة الاعتبار له على حساب المشروع الوطني.
ما تقوم به السعودية من حرب شعواء ضد قطر، هو ليس لمواجهة المشروع الامريكي الصهيوني، بل هو مشروع سعودي يتماهى مع اسرائيل لمواجهة ايران وفرض وصايتها على العرب، وهي الدولة غير المؤهلة لقيادة شعبها، والدولة الأكثر استبدادا وقمعا لشعبها، فكيف ستقود المشروع العربي لمواجهة المشروع الصهيوني؟ وهي تسير بخطى سريعة للتطبيع معه وحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على حساب الحق الفلسطيني.
فالحملة التي تطالب حماس بالتنازل غير موضوعية، وقطر ليست سبب في الانقسام هي سبب من الأسباب، والدعوة الحقيقية والضغط يجب ان ينطلق من المصالح الفلسطينية والشراكة الوطنية، وليس الاقصاء والتفرد وتحميل طرف المسؤولية وتبرئة طرف اخر.
فالحصار المفروض على القطاع يستهدف الناس وهو جريمة حرب، ومن يشارك في الحصار مجرم حرب، والدعوة لانهاء الانقسام لا تكون بالإجراءات غير المسبوقة وتعميق الشرخ الوطني والضغط على الناس في معيشتهم واذلالهم.
اسرائيل لن تتركنا في حالنا حتى لو ذهبت حماس عارية من دون أي غطاء ونفذت كل شروط اسرائيل والعرب والعجم، فلن يتركونها ويتركوننا الا بقطع رؤوسنا جميعا، فالمشكلة ليس في تسليم حماس نفسها، المشكلة إنهم لا يريدوننا، وهم لا يعترفون بحقوقنا.