السلام الإقليمي على الأبواب؟!

رجب أبو سرية.jpg
حجم الخط

أن تكشف صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ورئيس المعارضة اسحق هيرتسوغ، الذي جرى قبل أكثر من عام، الآن، لا يبدو أمرا مفاجئا، أو حتى مهما كثيرا للبعض، ذلك أن خبر اللقاء كان قد تسرب في حينه على أية حال، لكن «إعادة» نشره أو التذكير به يوم أمس، ما هو إلا محاولة أولا للتأثير على الانتخابات الداخلية التي ستجري الشهر القادم لحزب العمل، وثانيا، وهذا هو الأهم ــــ برأينا ــــ الكشف عن أن اللقاء بين الرئيس السيسي وقطبي السياسة الداخلية الإسرائيلية ناقش خطة لمبادرة إقليمية.
لابد من التأكيد أولا وقبل كل شيء، على أن كل من يهتم بعملية السلام في الشرق الأوسط والعالم يعرف جيدا أن العقبة في طريق إجراء المفاوضات الفلسطينية/ الإسرائيلية، فضلا عن التوصل للاتفاق والحل، هي الحكومة الإسرائيلية، التي وصفها راعي المفاوضات الأسبق وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن وجه حق بأنها الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، لذا كان وما يزال من الطبيعي لمن يريد فتح هذا الملف والدفع بالعملية السياسية مجددا أن يفكر في تغيير هذه  الحكومة، لأن نتنياهو سيظل عالقا في جيب نفتالي بينيت أولا وافيغدور ليبرمان ثانيا.
لذا فإن أية انطلاقة متوقعة وحتى تكون ممكنة لابد لها من أن تفتح باب الضغط على شركاء «الليكود» الرافضين للتفاوض، واقل هذا الضغط وأسهله وربما أهمه هو التلويح بوجود البديل عن «البيت اليهودي» كشريك لـ»الليكود» في الحكومة، وليس هناك من هو أهم بهذا الأمر من المعسكر الصهيوني الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الفوز بانتخابات الكنيست العشرين التي جرت في آذار من العام 2015.
لكن لماذا يعود هذا الأمر، موضوع الحديث عن مبادرة إقليمية مرتبطة بمصر، في هذا الوقت بالذات، حتى يتم «ترتيب» حزب العمل، ليكون جاهزا للشراكة مع «الليكود» من اجل إنجاز الحل التاريخي، يبدو أن للأمر علاقة بزعيم الحزب اسحق هيرتسوغ، الذي تزعم الحزب بعد سنوات من التحاقه بـ»الليكود» أيام شارون بقيادة بنيامين بن اليعازر، وعمير بيرتس، والتي ألحقت الضرر البالغ بالحزب الذي لم يعد للحكم منذ العام 2001 ولا حتى للمنافسة بعد أن تفرد «الليكود» و»كاديما» طوال العقد الماضي بالتنافس، وهيرتسوغ هو الذي أعاد الحزب للمنافسة مجددا، لذا فإنه يتوجس جدا من عودة التحاق حزبه بـ»الليكود». لكن أن تجري انتخابات الحزب القادمة على خلفية الموقف من الشراكة مع «الليكود» من أجل تحقيق هدف تاريخي يتمثل بالتوصل للسلام الإقليمي، فإن هذا سيكون مدار التنافس على زعامة العمل.
الأهم أن أمر إعادة ترتيب المنطقة بعد سنوات «فوضى كوندليزا رايس الخلاقة» التي أنجبت «الربيع العربي» تبدو هي الهدف الرئيسي، لمحور الاعتدال العربي، الذي جاءت تلك الفوضى على حساب مكانته الإقليمية، حيث ارتاحت تماما إسرائيل خلاله من تبعات اتفاق أوسلو، واندفعت إيران وتركيا لتصبحا أكثر نفوذا وتأثيرا، لكن إغلاق أبواب الفوضى الخلاقة بالتغيير الذي حصل في البيت الأبيض نفسه، والذي سارع إلى إعادة الروح لحليفه التقليدي في الشرق الأوسط، النظام الرسمي العربي المعتدل من خلال قمم الرياض، فتح الباب جديا، للعودة إلى إعادة الاستقرار للمنطقة، وان كان بترتيب مختلف لابد أن يأخذ بعين الاعتبار ما حدث، ولكن وفق منطق أقل الخسائر.
تعود السعودية، إذاً، للتأثير في العراق وسورية واليمن، وتعود مصر للتأثير على ملف الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، كما تزداد حاجة الولايات المتحدة لحليفها المحور العربي، حتى يمكنها أن تتجنب طموحات إيران وتركيا في مشاركتها النفوذ بالمنطقة إلى جانب طموحات روسيا بالطبع.
ولعل واشنطن باتت تفضل الحليف العربي كثيرا، خاصة أن أوروبا بدأت تصنع لها المشاكل، فما إن فرح ترامب حتى قبل أن يدخل البيت الأبيض بتصويت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي بما وضع حدا لطموحات القارة العجوز بالتحرر من التبعية لواشنطن حتى كان ايمانويل ماكرون يعيد الروح للاتحاد، ثم جاءت نتائج انتخابات البرلمان البريطاني بدلا من أن تمنح تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا وحزب المحافظين أغلبية مريحة، تساعدها في مفاوضات «بريكست» التي ستجري بعد أيام لمناقشة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، جاءت لتفقدها حتى قدرتها على تشكيل الحكومة، التي كان الحزب يشكلها بأغلبية 17 مقعدا، ليفقد بانتخابات الأسبوع الماضي تلك الأغلبية.
ولأنه من حسن حظ ترامب والمنطقة أن وصوله للبيت الأبيض ترافق مع خروج «داعش» من المنطقة، ومع هزيمة الإرهاب، فإن التحدي الأهم لواشنطن/ ترامب بعد «داعش» هو إيران، ومن حسن حظه مجددا، أن الفوضى التي حدثت في المنطقة أظهرت طموحات إيران غير المشروعة والواسعة في المنطقة، بما أثار هلع دولها، ولا يقتصر الأمر على البحرين أو الإمارات ولا حتى السعودية، بل يصل إلى مصر، ويتعداها إلى كل العالم الإسلامي، حيث لا بد من الانتباه إلى أن إيران دولة مسلمة، نعم، لكنها تختلف في مذهبها الشيعي مع غالبية العالم الإسلامي الذي يعد أكثر من مليار نسمة سني.
بذلك فإن ترامب قد وجد حليفا جاهزا ومتحمسا لهذه الحرب قبل أن يتخذ قراره بشأنها، ومن يخوض حربا لابد له من أن يقوم بترتيب تحالفاته، وبعد تنظيف المنطقة من الإرهاب هناك تفاصيل تترك للحلفاء الإقليميين، لذا فإنه متوقع أن لا تهتم إدارة ترامب بتفاصيل المفاوضات حتى بعد أن تطلقها وان تتركها لحلفائها في المنطقة، وكما باركت موقف السعودية تجاه قطر، ستبارك وساطة مصر بالمفاوضات، بما في ذلك ترتيب أوضاع غزة، ربما خارج عباءة السلطة، كمقدمة للحل الإقليمي، تسهل السير على طريقه ومتابعته.