ما جرى في نادي الوحدات، والشريط الموزع، ليس له علاقة لا بالأردن، ولا بفلسطين، ولا يمت بصلة للرياضة ولا للثقافة، كما أنه لا يعبر عن موقف سياسي يمكن تأييده أو معارضته، بل هو شيء من «الولدنة» التي لا تستحق التوقف، إلا من باب الأذى والقرف والإساءة، كمن يمر بجانب «كم مُهمل» يسعى الإنسان تجنب رائحته أو منظره.
الشريط وما حوى من استهتار ليس له علاقة بالسياسة ولا يعبر عن موقف سياسي، فالانتقاد السياسي مشروع ولا أحد فوق النقد، ولا أحد محصن من المعارضة، شريطة أن تكون أخلاقية أولاً وقانونية ثانياً، وغير ذلك انحدار في مستوى التعامل مع الذات ومع القضية إذا كان ثمة قضية سعى لها هؤلاء «المولدنين» الذين لا يستحقون الحد الأدنى من الاحترام.
لقد كنا معارضة، وقضينا سنوات طويلة في السجون والمعتقلات في فترة الأحكام العرفية ومنهم رفاق وإخوة وزملاء من الوحدات، أتحدى أن ظهر منهم أي إساءة على المستوى الشخصي أو العائلي أو الإنساني لأي من رموز الدولة حتى أولئك الذين حققوا معنا، فالخلاف بيننا كان سياسياً وأمنياً ولم يكن شخصياً على الإطلاق بدلالة العلاقات الشخصية التي تطورت ونمت بيننا كأفراد وبشر حينما سقطت وانتهت عناوين الخلاف وخاصة نحو فلسطين وتطور الموقف الرسمي الأردني نحو الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وبالدولة الفلسطينية، وقرار فك الارتباط، إلى ما هو أقوى وأفعل من ذلك حينما نسمع ونقرأ ونتابع موقف رأس الدولة جلالة الملك وبسالته، في الدفاع عن القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في الاستقلال والدولة وعاصمتها القدس، أكان ذلك أمام الكونغرس، ومؤسسات صنع القرار الأميركي، والأمم المتحدة، ومؤسسات المجموعة الأوروبية التشريعية والتنفيذية، وبالتالي سقط الخلاف ما بين الأردن وفلسطين، وتباينت الاجتهادات بين القيادتين، والانحياز الأردني الواضح لفلسطين وشعبها وقضيتها، حفاظاً على أمن الأردن ودعماً لنضال فلسطين.
كما سقط الخلاف حول حق الأردنيين في تمثيل أنفسهم وفق قدراتهم وإمكانياتهم و»بتعهم» وحقهم في أن يكونوا بعثيين وشيوعيين ويساريين وقوميين وإخوان مسلمين، وفق القانون واعتماداً على الدستور، ولم يعد الحزبي ملاحقاً قضائياً وأمنياً.
سقوط الخلاف بين المؤسستين الأردنية والفلسطينية حول فلسطين، وسقوط الخلاف بين الأردنيين حول التمثيل البرلماني، والأحزاب، وحرية التعبير، لا يعني عدم وجود تباينات واجتهادات ورؤى مختلفة بين المواقف الرسمية وتعارضها مع مواقف بعض الأحزاب والشخصيات والقوى الاجتماعية، ولا يمكن شطبها، بل هي قائمة وربما ضرورية انعكاسا للتعددية التي يجب أن تُحترم، ولكن في إطار من الأخلاق واحترام التعددية وفق الدستور والقانون، لذلك لا أحد يزايد على أحد لا بمواطنته الأردنية كأن يكون أردنياً أفضل من أردني آخر، أو أكثر وطنية من الآخر، كما لا يزايد أحد على الأردنيين بولائه لفلسطين أكثر من أهل الريف والبادية ومن الكركية والمعانية والطفايلة وبني حسن وبني صخر وغيرهم، فهؤلاء ينتمون وطنياً وقومياً لفلسطين بقدر ولائهم للأردن، كوطن وشعب وقضية، رغم وجود مزايدات من قبل هذا الطرف ضد ذاك، ومن ذاك ضد الكل، ولكنها تهويشات تُعبر عن مضامين فارغة المحتوى وعن انتهازية وجهالة وضيق أفق.
لا الذين ارتكبوا حماقة «الشريط» تصويراً وتوزيعاً وحماساً في الوحدات، ينتمون لفلسطين أكثر من الفيصلي، إدارة ولاعبين، وليسوا مخلصين لفلسطين أكثر من باقي الأردنيين، ولا الذين تصدوا لهم أكثر أردنية من أهالي الوحدات، فكلنا بالمواطنة الأردنية سواسية، ولكن كما يقول المثل الشعبي «مجنون رمى حجر في بير، ويحتاج لمائة عاقل حتى يرفعه»، ولذلك لا «نكبر» الموضوع والواقعة، فالأصالة والانتماء والمواطنة أكبر من «ولدنات» ذاتية شخصية فردية مؤذية، لا تستحق الاهتزاز والقلق والتوقف.