يواظب الإسرائيليون على تسريب إشاعات أو الطلب صراحة أن يبدأ "التطبيع" مع العرب ثم الوصول للسلام مع الفلسطينيين. وآخر من طرح هذا وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، يوم الإثنين الفائت، وبطبيعة الحال يرفض العرب ذلك، ولكن هذا بحد ذاته قد يسعد الإسرائيليين، لأنّ أحد أهدافهم تجميد العملية السياسية ووضعها في مأزق، ويمكن الرد على الإسرائيليين دون قبول مطلبهم بالطبع، وبطريقة تعيد توجيه السؤال إليهم.
يتمثل التكتيك التفاوضي الإسرائيلي بوضع الجدل أمام مسارين، يشكلان كلاهما مكسباً لهم. الأول هو أن يوافق العرب على المطلب فيفوزون بالتطبيع العلني والعلاقات الاقتصادية والسياسية المفتوحة، مع تأجيل الشأن الفلسطيني. والثاني أن لا يستجيب العرب، ويبقى الموضوع عالقاً بانتظار موافقة عربية، أو عالقاً بسبب الرفض العربي، بينما يقوم الإسرائيليون بفرض أمر واقع على الأرض، ويحظون باحتلال توسعي هادئ، يحظى بحالة فريدة من تنسيق من يقعون تحت احتلالهم أمنياً معهم، لحفظ أمن المستوطنين وغيرهم.
لا يجب أن ينحصر الرد العربي والفلسطيني على خيارين، الأول قبول الطلب الإسرائيلي، أو رفضه. بل يمكن المناورة بأشكال أخرى. أهمها مطالبة الإسرائيليين بتبيان شكل السلام الذي يقترحونه بعد التطبيع. وبالتأكيد يثير طلب عربي من هذا النوع تخوفاً مبرراً أن تصبح الفكرة متداولة ومقبولة تدريجبا، ولكن ببعض التدقيق يتضح أنّ الطرف الإسرائيلي إما أن يبدأ بطرح معالم التسوية أو سيصبح هو المطالب بالرد.
يقدم أفيغدور ليبرمان وإسرائيليون آخرون، ردا بأنّه أحسن السيناريوهات، سيكون هناك اتفاق انتقالي طويل الأمد مع الفلسطينيين.
هناك آلية وعُرف واضحان في تقاليد وعالم المفاوضات، هو آلية "الرفض ولكن". بمعنى أنت ترفض ما يعرض عليك، ولكن بدل الرفض فقط، تجيب بسؤال، يلي الرفض، وهو "لنفترض جرت الموافقة.. ماذا سيكون العرض؟"، بما في ذلك هذا الاتفاق طويل الأمد، المرفوض.
ما يمكن أن يحققه الفلسطينيون من هذا التكتيك التفاوضي، ثلاثة أمور، أولها، أن يعطى للوسطاء الدوليين طرف خيط يبحثون عنه، ولكن دون أن ينخرط الفلسطينيون في مفاوضات عبثية. ثاني الأمور، أنّه قد يفرض على الإسرائيليين بدء الحديث عن مرجعية الحل النهائي ومعالمه، وبالتالي تصبح هناك أفكار مطروحة للتداول بشأن ما على الإسرائيليين الإقرار به في النهاية (أو البداية)، وثالثا، إذا رفض الإسرائيليون طرح إجابات فهذا يعيد ويزيد التأكيد على مسؤوليتهم في فشل أي تسوية، ويبرر سياسات فلسطينية تبدأ من التحرك دولياً ولا تنتهي بوقف التنسيق الأمني.
ما يريد الإسرائيليون تسويقه حالياً أن المشكلة هي في الترتيب الزمني للعملية: تطبيع ثم سلام، أو سلام ثم تطبيع، مع أن الموقف الإسرائيلي الحقيقي هو: تطبيع ثم نفكر في السلام. والرد الفلسطيني المقترح، هو "نرفض"، ولكن إذا افترضنا أنّ هذا هو الحل المطروح، فما هو شكل السلام المقترح؟.
إذا ما استطاعت قوى دولية دفع الإسرائيليين للحديث عن تصورهم للحل النهائي، فهذا يعني أنّ موضوع الترتيب الزمني سيصبح أقل أهمية، حتى بالنسبة للإسرائيليين. وسيكون حديث الإسرائيليين نوعا من التجرع التدريجي، بحجة يقدمونها لجمهورهم، بأنّه شيء سيكون في المستقبل وبشروط كثيرة.
وإذ فشلت هذه القوى، كما هو متوقع في دفع الإسرائيليين لذلك، يمكن أن تبدأ القوى الدولية بتقديم تصورها للحلول، بما يرسخ صورة أنّ الحل معروف ولا يحتاج مفاوضات للتوصل إليه، بل إلى مفاوضات لتطبيقه.
يقدم العرب تصورا متكاملا، منذ العام 2002، عندما أعلنت مبادرة السلام العربية التي أطلقتها السعودية، في القمة العربية في بيروت آنذاك. وكان جزء من هدف إطلاقها تقديم عرض متكامل للإسرائيليين، أو جعلهم الطرف المطالب بالرد، ومسألة قيام الإسرائيليين بنقل الحديث للترتيب الزمني، هو الرد الإسرائيلي. وهنا يمكن ان يصبح الرد العربي، ما هي المبادرة الإسرائيلية المتكاملة التي يطرحونها رداً على الطرح العربي المتكامل؟.
بطبيعة الحال مثل هذه التكتيكات التفاوضية، لا تعني أن المفاوضات هي الحل الوحيد، وهي الخطة الوحيدة، ولا تعني بالضرورة أن ما هو مطروح بالمبادرة العربية هو التصور الوحيد للتعامل مع المسألة الفلسطينية.
- الغد