اقرّ كنيست دولة الاحتلال الاربعاء الماضي قانون خصم المخصصات المالية التي تدفعها السلطة الفلسطينية للأسرى والشهداء الفلسطينيين، من اموال الضرائب التي تجبيها اسرائيل لصالح السلطة. هل يوجد قرار اكثر فاشية وعنصرية وعدوانية؟ كانت هذه اخر "كرامات؟!" دولة الاحتلال.
قبلها بوقت قصير عرض وزير الاسكان والبناء مخططا استيطانيا ويقضي ببناء 67000 وحدة سكنية جديدة. ما يعني اضافة 340 الف مستوطن جديد. كما تم الاعلان عن خطة لبناء مستوطنة جديدة لاسكان مستوطني بؤرة "عامونا" الذين تم اخلاؤهم بقرار من محكمة عدلهم العليا. المستوطنة الجديدة ( عميحاي) هي جزء من مشروع استيطاني يهدف الى فصل شمال الضفة عن جنوبها.
نتنياهو صرح في مناسبات متعددة وكلها في الاسابيع القريبة :
- " قرارنا البناء في جميع انحاء يهودا والسامرة( الضفة الغربية)."
- " اعدكم بانه لن يتم اقتلاع مستوطن واحد من بيته، وان ابذل كل ما في وسعي من اجل الحفاظ على المستوطنات" مخاطبا قادة المستوطنين - " ان بقاء المستوطنات والقدس تحت السيادة الاسرائيلية، والسيطرة الامنية على الاغوار هو المحدد لسياسة حكومته في اي عملية سلام مقبلة ". -: " الجيش الاسرائيلي سيبقى في كل الحيز ( الضفة الغربية) والمستوطنات ستبقى مكانها " قائلا لسفيرة اميركا في الامم المتحدة اثناء زيارتها لهم. - " لا تقسيم للقدس وستبقى عاصمة ابدية لاسرائيل ".
- "جبل الهيكل(المسجد الاقصى) وحائط المبكى ستبقى تحت السيادة الاسرائيلية الى الابد"
- " حان الوقت لحل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين( الانروا)" وقدم هذا الطلب لسفيرة اميركا في الامم المتحدة.
- امتنع نتنياهو في لقاءاته مع مسؤولين اجانب ومنهم السفيرة الاميركية هيلي عن ذكر مصطلح الدولة الفلسطينية، لكنه كرر الحديث عن شرطه اعتراف الفلسطينيين باسرائيل بانها" الدولة القومية للشعب اليهودي".
تصريحات ومواقف اركان ائتلاف نتنياهو الحكومي لا تقل تطرفا وعنصرية، بل انها تتخطاه في كثير من الحالات، بالذات في مواضيع القدس والاستيطان والانسحاب والدولة.
في كل ما تقدم، وغيره الكثير، مما صدر ويصدر عن نتنياهو واركان حكمه فانها بقدر ما تعبر عن القناعات الفكرية والسياسية لاشخاصهم، فانها تصدر بانسجام واتفاق عال مع الاتجاه الفكري والسياسي الطاغي في مجتمع دولة الاحتلال. وكل من يتابع ما تنشره استطلاعات الرأي العام في دولة الاحتلال يدرك هذه الحقيقة، ويدرك معها ان قوى المعارضة المجتمعية والسياسية فيها لا تحتل الا حيزا هامشيا محدود التأثير جدا، وربما منعدمه. هذا الانسجام في الحكم ومع المجتمع اولا، ثم وهن الوضع العربي وضعف تاثيره واستغراقه في مشاكله البينية وضعف الوضع الفلسطيني وانقسامه ثانيا، وتعايش الوضع الدولي مع الاحتلال وغياب اي مبادرة جدية منه ثالثا، هو ما يجعل دولة الاحتلال تشعر بانتشاء القوة وبقدرتها على رفض اي مطلب لا ينسجم تماما وكليا مع استمرار احتلالها وسيطرتها مهما كان المطلب محقا وعادلا، ومهما كان جزئيا ومحدودا ايضا. وانها بالتالي ليست مضطرة لتقديم اي تنازل.
وعلى الطرف الاميركي، لا يبدو في الافق وفي كل ما يصدر عن الرئيس واركان حكمه اية مقدمات او اشارات تدعو الى الاطمئنان لجهة امكانية تحقق المطالب الفلسطينية العادلة او حتى بعضها، او لجهة احتمال ان يتخذ قرارات ومواقف لا تقبل بها او ترضى عنها دولة الاحتلال. ولا اشارات تدعو الى تصور ان الطرف الاميركي سيصل الى حد الضغط، ولو الحنون، على دولة الاحتلال لتقبل بهذا الطلب، او ذاك ولا نقول بهذا الشرط او ذاك، للوصول الى اتفاق مع الطرف الفلسطيني. انحياز الادارة الاميركية قد يكون هوالاوضح منذ عقود. تعلنه بجلاء سفيرة اميركا في الامم المتحدة، عبر تصريحاتها ومواقفها المتكررة، وتؤكده مواقف واعلانات عديدة منها اعلان التفكير الجدي بالانسحاب من المنظمة الدولية لحقوق الانسان لمواقفها وقرارتها التي لا ترضى عنها دولة الاحتلال. ويمكن الظن ان تاخير الرئيس ترامب الاعلان عن" صفقته" الكبرى هو في احد جوانبه اعطاء المزيد من الوقت لدولة الاحتلال لتفرض اقصى ما تستطيع من حقائق الامر الواقع لصالح بقاء احتلالها وسيطرتها. وايضا، محاولة انجاز افضل الترتيبات في المنطقة للتهيئة والمساعدة على نجاح صفقته.
اذا كان الحال كذلك، فماذا ننتظر نحن الفلسطينيون، وعلى ماذا نعوّل؟
اذا كانت القدس والدولة واللاجئين ووقف الاستيطان هي الركائز الاساسية لمطالبنا الرسمية، ولا يمكن التنازل عنها تحت اي ظرف او ضغط او اغراء. واذا كانت صفقة قرن الرئيس الاميركي الموعودة لا يمكن ان تلبي اي من هذه الشروط والركائز كما يتضح من كل مقدماتها وتسريباتها، ويتضح وان هدفا اساسيا من اهدافها الالتفاف على المبادرة العربية واولوياتها لصالح تطبيع علاقات دولة الاحتلال مع محيطها.
واذا كانت دولة الاحتلال في حال انتشاء القوة المشار اليه آنفا، وتعلن جهارا نهارا اخراج ثوابتنا من دائرة البحث وعناوين التفاوض. واذا كان وضع نظامنا السياسي على هذه الدرجة من الخلاف والانقسام المهدد، واسنادنا العربي على حالة الوهن الموصوفة.
اذن لماذا يعيش البعض في وهم التطلع بترقب( حتى لا نقول بتفاؤل) الى اليوم الذي يعلن فيه الرئيس ترامب صفقة القرن الموعودة، وعلى اي امل وباي افق، نعود الى مسار المفاوضات؟ ولماذا يبدو على هذه الدرجة من الايجابية والجاهزية للتجاوب؟
اليس الاصوب ان نعطي الاولوية لاصلاح ذات بيننا، ثم لتأكيد او استعادة اسناد محيطنا؟. اليس الاصوب، ان نعضّ بالنواجذ على ثوابتنا الوطنية التي تقوم عليها وحدة ونضال شعبنا وقواه السياسية والمجتمعية، ولا نفسح مجالا لقرائتها او تفسيرها على غير حقيقتها؟
لماذا يهتم العرب بانتخابات أمريكا اكثر من انتخابات بلدانهم؟
30 أكتوبر 2024