مؤتمر الحدّ من السلاح النووي .. شكراً مصر !!

images
حجم الخط

​مرة أخرى، تقود جمهورية مصر العربية المواجهة النووية السياسية مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، فقبل خمسة أعوام، في مثل هذا المؤتمر عقد مؤتمر مراجعة معاهدة الانتشار النووي، حينها اقترحت القاهرة، مؤتمراً لبحث تجريد منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، وبالطبع عارضت كل من واشنطن وتل أبيب هذا المقترح الذي تم التصويت عليه، ونجح بتحديد عام 2012 لانعقاد هذا المؤتمر، إلاّ أن ذلك لم يحدث بسبب عدم التزام أميركا وإسرائيل بهذا القرار. قبل أيام قليلة، عقد هذا المؤتمر الذي يلتئم كل خمس سنوات من جديد، مصر التي لا تزال تقود عملية المواجهة العربية في هذا الشأن، تقدمت بمقترحات اعتبرتها كل من واشنطن وتل أبيب «عقبات أمام التوصل إلى اتفاقات وبيان نهائي بالاجماع» ونجحت العاصمتان في تعويم المؤتمر، الذي يلتزم ببحث مراجعة معاهدة الانتشار النووي، لكي تضيفا على جدول أعمال المؤتمر: الارهاب والأمن الإقليمي، للتهرب من المسألة الأكثر أهمية، وهي التسلح النووي الإسرائيلي، كما تقدمت تل أبيب بمقترح بأن تكون قرارات المؤتمر بالاجماع، وهذا يعني في واقع الأمر، عدم صدور أي قرار تعتبره واشنطن وتل أبيب ضد مصالح الدولة العبرية وتسلحها النووي في اطار ما يسمى «بسياسة الغموض البنّاء». مصر وإسبانيا تعاونتا في إيجاد مخرج دبلوماسي، فتقدمت مدريد بمقترح بحيث ينتقل القرار إلى الأمين العام للأمم المتحدة، في حال لم يتوصل المؤتمر إلى اجماع حتى كانون الأول المقبل، ليحدد فيما إذا كان سيعقد المؤتمر الاستثنائي الذي سبق وأن اقترحته القاهرة، أم لا وتحت أي ظروف.
لأكثر من شهر قبل انعقاد المؤتمر، سعت القاهرة إلى نسج تفاهمات مع عواصم دولية عديدة بهدف تضييق الخناق على التهرب الإسرائيلي بشأن ملفها النووي، ونجحت بالفعل في تأييد خطواتها من أجل عقد مؤتمر دولي بشأن تجريد الشرق الأوسط من السلاح النووي، خاصة على ضوء الاتفاق الإيراني مع الدول الست بهذا الشأن، ما يجعل المسألة النووية في منطقة الشرق الأوسط، تخص أساساً السلاح النووي الإسرائيلي، ويأتي توافق القاهرة ـ مدريد في اطار المؤتمر، كشكل من أشكال هذا التعاون والتنسيق وكإنجاز للجهد المصري بهذا الشأن.
وكما القاهرة، فإن واشنطن وتل أبيب، عقدتا المزيد من المشاورات التحضيرية لمواجهة الجهد المصري بهذا الصدد، وحتى نهاية أعمال المؤتمر، بالأمس، كان مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون منع انتشار السلاح النووي طوماس كانتريمان في إسرائيل لمتابعة وإدارة الموقف الأميركي ـ الإسرائيلي في هذه المواجهة، وإجراء مشاورات مع وزارة الخارجية، وقيادة الأمن القومي وديوان رئيس الحكومة ولجنة الطاقة النووية.
ولوحظ أن هناك مراجعة أميركية ـ إسرائيلية لقرار المؤتمر السابق قبل خمسة أعوام، عندما نجحت جمهورية مصر العربية في تضمين البيان النهائي للمؤتمر عبارات اعتبرتها تل أبيب «مؤسفة وغير ضرورية» إذ كان هناك نص يشير بوضوح إلى القوة النووية الإسرائيلية ودعوة إسرائيل إلى وضع منشآتها النووية تحت الرقابة الدولية. الإدارة الأميركية ـ الإسرائيلية لملفات المؤتمر الأخير، كانت تهدف أساساً إلى مواجهة أي احتمال لكي يتضمن البيان الختامي للمؤتمر الأخير نصوصاً مشابهة، أو دعوة إلى مؤتمر استثنائي خاص بتجريد الشرق الأوسط من السلاح النووي.
وبالفعل، انتهى المؤتمر، من دون أي بيان ختامي وأخفق في إصدار وثيقة نهائية تتضمن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر دولي في آذار القادم، بشأن إخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي، بعد أن نجحت إسرائيل والولايات المتحدة في اتخاذ قرار بأن أي بيان ختامي يجب أن يحظى بالاجماع من قبل كافة الدول البالغ عددها 191 دولة، وهو أمر بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً.
وفور انتهاء أعمال المؤتمر، شنّ الدبلوماسيون الأميركان هجوماً لاذعاً ضد جمهورية مصر العربية لتمسكها بمقترحاتها حول مؤتمر دولي لنزع السلاح النووي في الشرق الأوسط، وكيلة وزارة الخارجية الأميركية، روز غوتمولر، اعتبرت ان إصرار مصر على مقترحاتها غير الواقعية، أدت إلى هذه النهاية غير السعيدة للمؤتمر، في حين شنت وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية، بالأمس عبارات اللوم على مصر التي «أفشلت أعمال المؤتمر» كونها تقدمت بمقترحات غير قابلة للتحقيق وإصرارها على المؤتمر الدولي، الأمر الذي كان من شأنه وضع عقبات حقيقية أمام التوصل إلى الاجماع الضروري والمنشود. وقد غاب عن هؤلاء جميعاً أن إسرائيل تشارك في هذا المؤتمر بصفة مراقب، ولم تنضم إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ومع ذلك فإن حصتها في المؤتمر كبيرة بفضل الدعم الأميركي الواضح والمستمر.
وإذا كانت جمهورية مصر العربية ومعها المجموعة العربية ودول عدم الانحياز، وكافة الدول المحبة للسلام، قد فشلت في إنجاح المؤتمر من خلال الفشل في إصدار البيان الختامي والمصادقة على المقترحات المصرية، فإن هذا الفشل يعتبر من ناحية ثانية، انتصاراً لهذه السياسة التي أصرّت على مقترحاتها ودافعت عن مصالحها الوطنية والقومية أمام أعتى تحالف دولي يتمثل في أميركا وإسرائيل، ومرة أخرى، فإن التمسك بالحقوق، على الرغم من موازين القوى الماثلة لصالح الطرف المعادي، هو انتصار بحد ذاته!!