لم يعد من المجدي سرد وقائع وأرقام ومعلومات عن حجم العذابات التى يعانيها أبناء الشعب الفلسطيني الذين وضعهم القدر فى قطاع غزة المحاصر
عادة تذكر الارقام والمعلومات لتبين حجم الالم والمعاناة لاقناع الجهات القادرة على التدخل لوقف هذه الجريمة ووضع حد لهذة العذابات على افتراض ان المعلومات ستلفت انتباه الجميع للمأساة التى لا يعرفونها ولكن فى غزه الوضع مختلف فالجميع يعرف ويعلم ولكن لا يحرك ساكنا بل يتركها تواجه مصيرها وحيدة مقهورة
لكل ازمة سبب ولكل مشكلة علاج الا فى غزة فلكل ازمة فاعل يقوم بصناعة الازمة ومراقبة تطورها بل يقوم بزيادة الضغط عبر وسائل مختلفة لزيادة حجم الألم بل وجعله معاناة شاملة للجميع فالاحتلال يزيد من حصاره وتهديداته لها بالدمار ولأبنائها بالقتل وحتى اقرب الناس لها من أبناء الوطن وجيرانه لا يتوقفون عن التهديد والوعيد بما هو اقسى وأصعب وأكثر ايلاما
ما يحدث مأساة بكل المقاييس عقاب جماعى وقتل ممنهج للإنسان الفلسطيني حتى وان لم يكن قتلا بانهاء حياته بل قتل للروح قبل الجسد الذى اشبع من المعاناة وباتت الأمراض تنهش اجساد الفلسطينيين كبارا وصغارا ولا يجدون علاجا لاوجاعهم ولا منفذا يخرجون منه بحثا عن ما قد يخفف من آلامهم ويشفى امراضهم فلم تعد تصرف تحويلات للمرضى على تأمينهم الصحي الذين يدفعون بدلاته من قوت يومهم ولا حتى من أراد ان يتعالج من جيبه الخاص لا يجد طريقة للوصول الى مستشفى او طبيب او حتى علاج يداوى أوجاعه
شباب تفقد سنوات العطاء والإنجاز لتتحول لسنوات عجز بلا مستقبل ولا عمل ولا ابداع وليس أمامهم الا طوابير طويلة تنتظر فرصة لتلقى بأجسادهم في قوارب الموت لعلها تصل الى شواطئ تحمي شبابهم وتأمن قوتهم وتعطيهم بعض الامل
اساسيات الحياة اصبحت ترفا فالكهرباء معدومة تقريبا والمياه ملوثة والبيئة قاتلة والبحر تحول الى بركة آسنة والتجاره والصناعة والزراعة تحولت من مصادر للعمل والدخل الى أبواب لخسارات فادحة ولا يمكن تعويضها والموظفين اما مقطوعة رواتبهم او طالتها الخصومات الكبيرة بلا سبب او موظفين يعملون اصلا بلا رواتب والجميع شبه متسولين على أبواب الجمعيات الخيرية او الشئون الاجتماعية او وكالة الغوث الدولية
لم تعد غزة كما عرفناها محبة ودودة جميلة طيبة المعالم ولم يعد ابناءها باسمين فرحين فتكالب الجميع على عقابهم وحصارهم والتضييق عليهم غير ملامح الناس والبلاد وجعلها اكثر قتامة وأكثر وجعا ولكن اكثر اصرارا على البقاء والثبات والصبر
لا معنى لكل ما يمكن ان يتحدث به السياسيين ولا قيمة لكل ما ينقله الاعلاميين ولا جدوى لكل بائعو الامل فالناس تنتظر ان ترى الفرج وان تلمس التغيير وان تتاثر حياتها ايجابا لا ان تسمع الجعجعة دون ان ترى طحينا
لقد اصمت الجلبة حول الحلول والمصالحة والتصالح والتفاهم والحوار وكل هذه المصطلحات ومن يتحدث فيها اذان الناس ويبحثون فى وسط هذه الجلبة من الصراع على الحكم والمصالح والامتيازات عن ريشة طارت فى مهب الريح او قشة لعلها تنقذهم من الغرق وليس تجارة فى الكلمات بلا معنى الا بيع الوهم وشراء الوقت من الزمن الذى هو فى حقيقة الامر زمن من أعمار الناس المقهورين فى غزة