عذاب غزة واهلها ليس قدرا بل خيار ظالم

233.jpg
حجم الخط

 

لم يعد من المجدي سرد وقائع وأرقام ومعلومات عن حجم العذابات التى يعانيها أبناء الشعب الفلسطيني الذين وضعهم القدر فى قطاع غزة المحاصر

عادة تذكر الارقام والمعلومات لتبين حجم الالم والمعاناة لاقناع الجهات القادرة على التدخل لوقف هذه الجريمة ووضع حد لهذة العذابات على افتراض ان المعلومات ستلفت انتباه الجميع للمأساة التى لا يعرفونها ولكن فى غزه الوضع مختلف فالجميع يعرف ويعلم ولكن لا يحرك ساكنا بل يتركها تواجه مصيرها وحيدة مقهورة

لكل ازمة سبب ولكل مشكلة علاج الا فى غزة فلكل ازمة فاعل يقوم بصناعة الازمة ومراقبة تطورها بل يقوم بزيادة الضغط عبر وسائل مختلفة لزيادة حجم الألم بل وجعله معاناة شاملة للجميع فالاحتلال يزيد من حصاره وتهديداته لها بالدمار ولأبنائها بالقتل وحتى اقرب الناس لها من أبناء الوطن وجيرانه لا يتوقفون عن التهديد والوعيد بما هو اقسى وأصعب وأكثر ايلاما

ما يحدث مأساة بكل المقاييس عقاب جماعى وقتل ممنهج للإنسان الفلسطيني حتى وان لم يكن قتلا بانهاء حياته بل قتل للروح قبل الجسد الذى اشبع من المعاناة وباتت الأمراض تنهش اجساد الفلسطينيين كبارا وصغارا ولا يجدون علاجا لاوجاعهم ولا منفذا يخرجون منه بحثا عن ما قد يخفف من آلامهم ويشفى امراضهم فلم تعد تصرف تحويلات للمرضى على تأمينهم الصحي الذين يدفعون بدلاته من قوت يومهم ولا حتى من أراد ان يتعالج من جيبه الخاص لا يجد طريقة للوصول الى مستشفى او طبيب او حتى علاج يداوى أوجاعه

شباب تفقد سنوات العطاء والإنجاز لتتحول لسنوات عجز بلا مستقبل ولا عمل ولا ابداع وليس أمامهم الا طوابير طويلة تنتظر فرصة لتلقى بأجسادهم في قوارب الموت لعلها تصل الى شواطئ تحمي شبابهم وتأمن قوتهم وتعطيهم بعض الامل

اساسيات الحياة اصبحت ترفا فالكهرباء معدومة تقريبا والمياه ملوثة والبيئة قاتلة والبحر تحول الى بركة آسنة والتجاره والصناعة والزراعة تحولت من مصادر للعمل والدخل الى أبواب لخسارات فادحة ولا يمكن تعويضها والموظفين اما مقطوعة رواتبهم او طالتها الخصومات الكبيرة بلا سبب او موظفين يعملون اصلا بلا رواتب والجميع شبه متسولين على أبواب الجمعيات الخيرية او الشئون الاجتماعية او وكالة الغوث الدولية

لم تعد غزة كما عرفناها محبة ودودة جميلة طيبة المعالم  ولم يعد ابناءها باسمين فرحين فتكالب الجميع على عقابهم وحصارهم والتضييق عليهم غير ملامح الناس والبلاد وجعلها اكثر قتامة وأكثر وجعا ولكن اكثر اصرارا على البقاء والثبات والصبر

لا معنى لكل ما يمكن ان يتحدث به السياسيين ولا قيمة لكل ما ينقله الاعلاميين ولا جدوى لكل بائعو الامل فالناس تنتظر ان ترى الفرج وان تلمس التغيير وان تتاثر حياتها ايجابا لا ان تسمع الجعجعة دون ان ترى طحينا

لقد اصمت الجلبة حول الحلول والمصالحة والتصالح والتفاهم والحوار وكل هذه المصطلحات ومن يتحدث فيها اذان الناس ويبحثون فى وسط هذه الجلبة من الصراع على الحكم والمصالح والامتيازات عن ريشة طارت فى مهب الريح او قشة لعلها تنقذهم من الغرق وليس تجارة فى الكلمات بلا معنى الا بيع الوهم وشراء الوقت من الزمن الذى هو فى حقيقة الامر زمن من أعمار الناس المقهورين فى غزة