صار الاحتلالُ العسكري للدول ماضيا بائدا، فالاحتلالُ اليوم يجري بلا جيوش، يمكن أن يستولي الأعداءُ والمنافسون على ثروات الأمم بوسائل رخيصة، غير مكلفة، بعد استخدام آخر اختراعات الألفية الثالثة وهي؛ تكنولوجيا القهر والإحباط( القهرولوجي).
استطاعتْ بعض دول العالم استخدام هذا الاختراع بكفاءة، ويكون تحقيق هدف السيطرة عن بعد باتباع الطرق التالية:
إثارة النُعَرات الطائفية والعرقية، بنشر فايروسات الفُرقة، والطائفية، والقبلية، والأسرية، ولتحقيق هذا الهدف، يكفي استئجار متفيهقي الأديان، ومقاولي الفتاوى المُضلِّلة لينحتوا من التعاليم الدينية خناجرَ، ومدافعَ، وسيوفا تغتال فسيفساء المجتمعات من الطوائف والعرقيات المختلفة، فيُجيزون قتلهم، والاعتداء على ممتلكاتهم.
والثاني: نشر الفساد في مؤسسات الدول المُراد تفكيكُها، وجعل الفساد، والرشاوى، والمحسوبيات، هي القاعدة، أما الكفاءة، والقدرات، فهي استثناءات!
والثالث: يجب إفساد نظامها التربوي والتعليمي، بجعلِ الأبناءِ يكرهون مناهج الآباء، وجعل الغاية من التعليم الحصول على الوظائف، والشهادات، وليس ترقية العقول، وتنمية الكفاءات.
الرابع: يجب إقصاء الفنون بكامل أقسامها عن موائد المقهورين، لأنَّ للفنون مفعولَ السحر في تخفيف جرعات القهر، وإشفاء الناس من الإحباط، من أجل ذلك يجب أن تُلصقَ تُهمةُ الهرطقة، والكفر بكل أشكال الفنون، وأنها من عمل الشيطان فاجتنبوها!!
أما البند الخامس الواجب تطبيقُهُ لترسيخ القهر والإحباط، فهو تفصيلُ ألجمةٍ على مقاييس الأمم المراد إحباطُها، وذلك بتعويدهم على حياة الدِّعة والهناء ورغد العيش، بدون أن تكون لهم مصادرُ دخل وطنية ثابتة، ثمَّ يجري تقليص مصادر الدعة والراحة فجأةً، باستخدام أسلحة القهرولوجي المُبيدة؛ سلاح الكهرباء، والماء، ورغيف الخبز، وإغلاق منافذ السفر، وحرمانهم من العلاج والتعليم، كما يحدث في قطاع غزة.
أما البند السادس فيتمثل في إعادة المجتمعات المقهورة إلى قبليتها العصبية، وإلى نظامها البدائي، الأسرى التقليدي، بجعل القوانين المدنية، والممارسة الديمقراطية حِليةً تُعلَّقُ شعاراتُها في شوارع تلك الأوطان، في لوحات برَّاقة، كميداليات وعباءات للزينة فقط!
أما البند السابع يقضي بإفساد النظام الحزبي، وتحويله إلى عصبيات عائلية لحماية الأعضاء والمريدين، وليست لخدمة الوطن، يجري إفساد النظام الحزبي بإشغالها بالكم العددي، وليس بالكيف الثقافي والتوعوي، ومن أبرز أعراض هذا الداء الحزبي، تفضيلُ الأحزاب لراياتها الحزبية، وبوستراتها، وملصقاتها على أعلام الوطن وشعاراته!
أما البند الثامن في برنامج القهرولوجي يتحقق بكنسِ تاريخها السالف، وإبعاد كل مصادر القوة والبطولة، وإزاحة الزعماء الأقوياء من ذاكرة الأجيال، وتحطيم الآثار التاريخية، بحجة أنها أصنامٌ تُعبد، وعمل( فورمات) لعقول الأجيال بعد إقصاءِ كلِّ المبدعين من الفنانين، والشعراء، والأدباء عن موائد التعليم والثقافة، بادِّعاء أنهم علمانيون كافرون!!
مستحضر، القهرولوجي الجديد هو معجزة الابتكارات في الألفية الثالثة، لأنه قادرٌ على جعل الشعوبِ تدوسُ بأقدامها مطالبَها الرئيسة في الاستقلال والتحرر، وتطوي ماضيها وتاريخها وتضعه في خزائن النسيان!!