عودة مبعوثي ترامب: فرص السلام وأزمات المنطقة

أشرف العجرمي.jpg
حجم الخط

يزور مبعوثا الرئيس الأميركي دونالد ترامب جيسون غرينبلات وجارد كوشنير المنطقة للوقوف على موقف الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي من قضايا التسوية الدائمة ومن ثم التقدم بوثيقة مبادئ لحل الصراع تحاول الجسر بين المواقف المتباعدة للجانبين. ولكن عودة المبعوثين إلى المنطقة تترافق مع بعض التطورات التي من الممكن أن تؤثر في العملية السياسية.
على صعيد إسرائيل هناك أحاديث متزايدة عن توسيع نطاق المباحثات والاتصالات مع دول عربية وخاصة مع السعودية للوصول إلى علاقات اقتصادية «تطبيع» حتى قبل بدء المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية التي من المفروض أن تبدأ على أساس وثيقة المبادئ التي ينوي طرحها الرئيس ترامب، ولو أخذنا أفكار وزير المواصلات والاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس على محمل الجد سنجد أن إسرائيل تمهد لربط دول الخليج وعلى رأسها السعودية بخط سكة حديد بالموانئ الإسرائيلية على البحر المتوسط عبر الأردن وربما عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهناك مخطط إسرائيلي متكامل لبناء هذا الخط وقد بدأ فعلاً إنشاؤه من جانب واحد بإعادة بناء خط السكة القديم الذي يربط حيفا ببيسان. وتتحدث بعص الصحف الأجنبية عن وجود مباحثات سعودية - إسرائيلية متقدمة بشأن العلاقات الثنائية.
وفي المقابل تواصل إسرائيل حملتها على الرئيس محمود عباس باتهامه بتقديم دعم للإرهاب من خلال دفع مخصصات الأسرى، بل وربط العمليتين الأخيرتين في القدس يوم الجمعة الماضي بهذا الموضوع. ويبدو أن إسرائيل قد نجحت في تأليب الإدارة الأميركية على السلطة بخصوص هذه المسألة بحيث أضحى موضوع مخصصات الأسرى والشهداء على الأجندة وتحت المجهر في العلاقة مع الإدارة الأميركية، وأصبحت السلطة في موقف دفاع لا تدري ماذا تفعل بهذا الخصوص إلى درجة أن أفكاراً من قبيل حل هيئة شؤون الأسرى باتت مطروحة للتخلص من الضغوط الأميركية التي باتت شروطاً صعبة على القيادة الفلسطينية.
من جانب آخر، تحتل التفاهمات بين حركة حماس وتيار محمد دحلان أهمية خاصة في مسألة قدرة القيادة الفلسطينية على حكم كافة المناطق الفلسطينية في ظل انفصال قطاع غزة. ويبدو أن التقارب بين تيار دحلان و»حماس» يمثل خطوة مناقضة تماماً لمحاولات الرئيس أبو مازن دفع «حماس» للقبول بشروطه من أجل المصالحة وعودة القطاع لسيطرة السلطة. فالضغط الذي يمارسه الرئيس أبو مازن لتشديد الخناق على «حماس» بعد تصنيفها في قمة الرياض العربية - الإسلامية - الأميركية كتنظيم إرهابي مثله مثل تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام «داعش»، يبدو أنه يضعف مع فتح بوابة مصر بجهود القيادي محمد دحلان الذي على ما يبدو أقنع دولا عربية بعدم إدراج اسم «حماس» في إطار قائمة الجهات الإرهابية المحظورة. ولا شك أن هذا التطور سيلقي بظلاله على محاولات السلطة دفع «حماس» للمصالحة.
«حماس» من جهتها أدركت بأن الأمور ذاهبة نحو الأسوأ إن بقيت على مواقفها ووضعها في ظل المتغيرات الجديدة عربياً ودولياً، وكان عليها أن تختار واحداً من خيارين: الذهاب باتجاه الرئيس أبو مازن والتخلي الفعلي عن قطاع غزة ولو بصورة تدريجية أو اللجوء إلى تحالف مؤقت مع تيار دحلان لتجنب ضغط الرئيس والمواجهة المحتملة مع السلطة في الموضوع الاقتصادي على وجه الخصوص بعد قيام السلطة فعلياً بوقف دفعها مقابل السولار لمحطة والوقود وتقليص تمويلها لفاتورة الكهرباء الآتية من إسرائيل لقطاع غزة بالإضافة إلى سلسلة إجراءات بعضها تم البدء بتنفيذه والبعض الآخر على الطريق. فاختارت «حماس» الذهاب باتجاه دحلان لأنه يؤمن لها الاحتفاظ بغزة وتحسين صورتها مع الدول العربية. حتى لو كان الثمن الدخول في تناقضات التعاون مع «العدو» اللدود، وأيضاً دفع فاتورة الأمن لمصر والموافقة على طلبات القاهرة الأمنية المحددة والتي هي شرط لفتح المعابر وتخفيف دائرة الخناق المفروض على الحركة.
وإذا أخذنا بالاعتبار أيضاً التطورات على صعيد العلاقات العربية - العربية وخاصة أزمة بعض دول الخليج ومصر مع قطر، وتشابكات هذا التدهور والمواجهة بين المحورين، فإن وضعنا في كل ذلك ليس في أفضل حال وستنعكس كل هذه التطورات علينا في ظل البحث عن حلول للوضع الراهن. والإدارة الأميركية صراحة تقول إنها ستحاول التوفيق بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني في العملية السياسية القادمة وأن على الجانبين تقديم تنازلات. والسؤال هنا ما هي التنازلات التي سنقدمها بعد أن وصلنا إلى الخط الأحمر وقدمنا سلسلة تنازلات في كافة قضايا التسوية، بينما إسرائيل لم تقدم شيئاً، وتراجعت حكوماتها عن كل المرونة التي قدمتها حكومات سابقة في مفاوضات طابا وبعد ذلك في المفاوضات مع إيهود أولمرت.
ما جرى في الفترة الأخيرة وخاصة على الجبهتين الفلسطينية والعربية يضعف الموقف الفلسطيني ويضع القيادة في وضع حرج مقابل الإدارة الأميركية التي تبحث عن صفقة قد لا تنجح في عقدها أو حتى مجرد وضعها على الطاولة، والسؤال هنا ما هي الخيارات المتاحة أمام القيادة لتحسين وضعها وتقويته أمام إسرائيل والإدارة الأميركية؟. ألا يزال خيار المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام ولملمة الصفوف قائماً؟.