كعادتها دائماً، لا تتوانى سلطات الاحتلال عن تدمير أي فرصة تلوح في الأفق لإيجاد حل واقعي للصراع والقضية الفلسطينية.
يستخدم نتنياهو بنك التفجيرات نفسه لتدمير هذه الفرص بأرصدته المتمثلة بالاستيطان ومصادرة الأراضي وتكثيف الاعتداءات وسياسة التهويد.
في أكثر من مناسبة، وعندما كانت الإدارة الأميركية السابقة، تنطلق ولو من نقطة الصفر باتجاه إحياء المسيرة السلمية، تجد نفسها أمام بداية متفجرة، تتمثل في إعلانات متعمدة لإقامة مئات الوحدات الاستيطانية، ما يثير استياءها، والذي كان يتمثّل في بيان يشجب عمليات الاستيطان ويعتبرها حجر عثرة في مسيرة السلام.
المواقف الأميركية السابقة تجاه الاستيطان لم تكن أكثر من إعلانات تعتبر الاستيطان عقبة، باستثناء الموقف الشديد الأخير في نهاية ولاية الرئيس الأميركي السابق والمتمثل بالامتناع عن التصويت في مجلس الأمن على قرار يدين الاستيطان.
إدارة ترامب في دعايتها الانتخابية كانت تميل كل الميل إلى الجانب الإسرائيلي بما في ذلك الاستيطان، ولم نسمع في محيط ترامب من يشجب الاستيطان أو يطالب بوقفه أو على الأقل الحد منه، بل العكس من ذلك، فقد ضمت حاشية المرشح ترامب مستوطنين ومؤيدين للاستيطان ولأرض إسرائيل الكبرى.
مع تسلم ترامب السلطة، كان هناك تغيير ليس كبيراً، ولكن جاء على صيغة التمني والطلب الخجول من الحكومة الإسرائيلية بعدم إقامة مستوطنات جديدة، والاكتفاء بالبناء الضروري في الكتل الاستيطانية، التي تعتبرها واشنطن أمراً واقعاً لا يمكن تغييره، ولكن يمكن البحث في إيجاد "تعويض" عن الأراضي التي تقوم عليها هذه الكتل.
وعلى الرغم من ذلك فإن موقف السلطة الفلسطينية استمر على قاعدة بناء علاقات جيدة مع الإدارة الأميركية الجديدة، فقد بدأت الاتصالات الفلسطينية ـ الأميركية مع دخول ترامب البيت الأبيض وتوّجت هذه الاتصالات بزيارة الرئيس محمود عباس إلى واشنطن ثم زيارة ترامب القصيرة إلى بيت لحم.
عقب هذه اللقاءات، كانت هناك بعض المؤشرات الإيجابية ولكن غير الكافية فلسطينياً، لإعادة إحياء المحادثات السياسية التي قتلها الاستيطان بشكل متعمّد، وإن كان الفلسطينيون يتطلعون لموقف أميركي أكثر إيجابية فيما يتعلق بإدانة الاستيطان والضغط على الجانب الإسرائيلي للحدّ من البناء المكثّف.
في عهد الإدارة الأميركية الجديدة جرى الإعلان عن بناء آلاف الوحدات الاستيطانية، وتفاخر وزير الجيش الإسرائيلي ليبرمان بأن ما تم الإعلان عنه خلال الأشهر الماضية يفوق ما تم بناؤه خلال سنوات طويلة.
حكومة اليمين الإسرائيلي لم تكتف فقط ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية، وإنما أعلنت، أيضاً عن إقامة مستوطنة جديدة، رداً على قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بهدم البؤرة الاستيطانية "عامونا" التي أقيمت على أراض خاصة شمال رام الله، وأقامت حكومة نتنياهو الدنيا حينها ولم تقعدها وبشكل هستيري أكثر من المستوطنين حزناً على طرد أقل من عشرين مستوطناً من كرفانات أقيمت خلال العقد الأخير.
وكعادته في إعدام أي فرصة للسلام، أعلن نتنياهو خلال زيارة موفد الرئيس الأميركي غارد كوشنر البدء بإقامة مستوطنة "عامونا"، جنوب نابلس، إضافة إلى بناء أكثر من ستة آلاف وحدة استيطانية في القدس، أو بمعنى آخر استكمال الحلقة الأخيرة من تهويد القدس المحتلة.
السلوك الإسرائيلي العدواني يتم جهراً، وكأن نتنياهو وحكومته متأكدان من أن الإدارة الأميركية لن تقوم بأي رد فعل تجاه هذه الخطوات، على عكس الإدارات السابقة التي كانت تكتفي بالشجب والاستنكار معتبرة أن الاستيطان لا يساعد في تقدم مسيرة السلام.
القيادة الفلسطينية من جهتها ستكون في موقف أكثر من صعب لأنها، أيضاً، تمثل الشعب الفلسطيني، الذي لم تعد لديه ثقة كبيرة بالمفاوضات في ظل ما آلت إليه بعد ماراثون مستمر منذ تسعينيات القرن الماضي.
وبناء عليه، فإن السلطة لن تكون قادرة على العودة إلى المحادثات السياسية في ظل الضغط الإسرائيلي، وسياسة الأمر الواقع المنتهجة والتي تعني في نهاية المطاف عدم إمكانية قيام دولة فلسطينية؛ لأن الضفة الغربية تم تقسيمها إلى كانتونات، يقوم الاستيطان بدور "حارس البوابة" في كل كانتون سواء في شمال أو وسط أو جنوب الضفة، ناهيك عن الأغوار.
إذن هي "متلازمة نتنياهو" في اغتيال أي فرصة للسلام وبنك التفجيرات جاهز... والوضع الإقليمي والدولي في صالحه تماماً... والعرب آخر من يُعوّل عليهم في ظل حروبهم وصراعهم وتفتت دولهم.