خلال شهر رمضان الفضيل تابع الجميع الأخبار المختلفة المتمثلة بالقتل، الانتحار، الاختطاف، حوادث السير، الحرق، "الطوش"، السرقات، البضائع الفاسدة، ما جعل مجتمعنا الفلسطيني أشبه بأحد نصوص روايات الروائية الشهيرة "اجاثا كريستي" التي اشتهرت في كتاباتها البوليسية، التي لا تكتفي فقط بمعرفة من هو المجرم وإنما الكشف عن أسباب الجريمة.
والمضحك بالأمر هو تحول المجتمع الفلسطيني سريعاً بعد كل جريمة الى المحقق الخيالي "شرلوك هولمز" وتحميل المسؤولية المباشرة لشهر رمضان، نعم بدراسة سريعة بسيطة نجد بأن معدل الجريمة والحوادث المختلفة تزداد بهذا الشهر الفضيل، لكن هل رمضان هو المتهم الذي علينا عقابه؟!
إذا ما نظرنا الى واقعنا الفلسطيني فإننا سنجد بأن معدل الجريمة والحوادث المختلفة في المجتمع الفلسطيني بازدياد، بالتالي فإن قلة النوم والإرهاق الجسدي والنفسي، ونقص مادتي النيكوتين والكافيين في الجسم المكتسبتين من التدخين بأنواعه المختلفة وشرب القهوة والشاي والمشروبات الغازية، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في شهر رمضان تجعلنا محفزين أكثر لارتكاب الجرائم المتنوعة.
وللأسف إن لوثة الجشع عند مرضى النفوس من التجار تتنشط أكثر، فهي بالأساس موجودة عند البعض من أجل الكسب السريع وتحقيق الأرباح، تتم المتاجرة بالمواد التموينية والغذائية الفاسدة، والأخطر بأن هذه المواد المنتهية الصلاحية يتم إحضارها وتهريبها من السوق الإسرائيلية، وكأن العمل تجاوز مفهوم التجارة!!
مع اقتراب موعد أذان المغرب والإقبال على الإفطار، نشاهد المشاجرات "الطوش" العديدة وتبادلا للسب والشتم في الأسواق والشوارع، لدرجة تتحول شوارعنا الى رالي رمضاني نقطة البداية مفتوحة والفائز هو من يصل الى منزله قبل أذان المغرب بثوان وهو يحمل الحلويات والخبز والفلافل الساخنة، ويتفاخر بهذا الإنجاز على طاولة طعام الإفطار بحصوله على ما يريد قبل غيره!!
أمام هذه المشاهد، هل رمضان هو المتهم؟! وإذا كانت التغيرات النفسية والجسدية تصيبنا خلال هذا الشهر فهل هو السبب أيضاً؟ الإجابة بالنفي المطلق والإثبات بأن شهر رمضان ليس مجرد عبادة، وإنما أيضاً هو تهذيب للنفس.
لذلك شهر رمضان يريد أن يقول لنا إن عدو الذات هو شخص بداخلنا، نحن نقوم باستحضاره في أوقات محددة، والصيام هو المروض لذلك العدو المبالغ فيه بمجتمعنا، لقد قال أفلاطون: "ان اكبر أخطاء الأطباء؛ انهم يحاولون علاج الجسد، دون العقل، في حين ان العقل والجسد، وجهان لشيء واحد، فلا ينبغي ان يعالج احد الوجهين على حدة".