لفدوى طوقان (2003- 1917) قصيدة عنوانها «مع لاجئة في العيد» كانت كتبتها إثر النكبة وظهرت في ديوانها الأول «وحدي مع الأيام». رأت الشاعرة المقيمة في البلدة القديمة في نابلس جموع اللاجئين الفلسطينيين في مدينتها وعلى أطرافها فاستثارها المشهد وحرك مشاعرها فكتبت قصيدتها.
كانت القصائد ذات الموضوع الوطني في أشعار الشاعرة، حتى العام 1967، قليلة وتعد على أصابع اليد الواحدة، خلافا لقصائدها بعد هزيمة حزيران حيث صارت شاعرة مقاومة تكتب عن الهم العام، وصارت حياتها جزءا منه، خلافا لحياتها في 40 و50 و60 ق 20 حتى 1967. وثمة فارق بين كتابة عن تجربة معيشة وأخرى متخيلة، ومع ذلك فقد كتبت فدوى قصيدتها كما كتبت قصيدة أخرى عنوانها «نداء الأرض» عن لاجئ فلسطيني تسلل إلى أرضه بعد أن استبد به الشوق إليها، فرآه الجنود الإسرائيليون وأطلقوا النار عليه وأردوه.
لم تعش الشاعرة حياة اللجوء ولم تجربها، كما عاشت هزيمة 1967 وجربت ذل الاحتلال فكتبت عن معاناة الجسر أمام شباك التصاريح وتمنت لو أنها هند بنت عتبة، فتأكل كبد جندي محتل. ولذلك لم تخل قصيدتها «مع لاجئة في العيد» من تصوير حياة المترفين الأغنياء، وكانت منهم، فحفلت قصيدتها بثنائية اللاجئ/ غير اللاجئ، وعيد هذا وعيد ذاك، كما حفلت أيضا بثنائية الماضي/ الحاضر، فأتت على حياة اللاجئة، قبل اللجوء، في مدينتها يافا وحياتها، الآن، بعد اللجوء في الخيام.
العيد للغني المترف هو عيد سرور وفرح وملابس جديدة، وهو للاجئ المنكوب عيد شقاء وبؤس، فاللاجئ تمثال شقي حياته ألم وبؤس وحنين. واللاجئ يعيش في عالمين: عالم الماضي وعالم الحاضر، وحياته موزعة بينهما.
في الماضي في يافا كان ثمة أعياد كلها بهجة وسرور، فلم تكن اللاجئة لاجئة. كانت هذه مثل فتيات المترفين في المدينة التي لجأت إليها. كانت تفرح وتسر وتمرح وترتدي ملابس جميلة، وكانت تقبل على الحياة، أما اليوم فليس سوى بؤس وعار وروح طريد، فهل يعرف الأعياد من كانت هذه حالته؟
تنهي فدوى قصيدتها بالآبيات الآتية:
«أختاه هذا العيد عيد المترفين الحالمين/ عيد الألى بقصورهم وبروجهم متنعمين/ عيد الألى لا العار حركهم، ولا ذل المصير/ فكأنهم جثث هناك بلا حياة أو شعور/ أختاه لا تبكي، فهذا العيد عيد الميتين».
يقول الماركسيون إن ملامسة الموضوع من الخارج تختلف عن ملامسته من الداخل، ويوضح (جورج لوكاتش) في كتابه «معنى الواقعية المعاصرة» أهم الفروق بين الواقعية الاشتراكية والواقعية النقدية الغربية، ويرى منها أن الأولى تصور الواقع من الداخل، فيما تصوره الثانية من الخارج. ترى كيف صور لاجئ فلسطيني العيد كما عاشه في المخيم في سنوات النكبة؟
يعد أحمد دحبور من الشعراء الذين عاشوا تجربة اللجوء وعانوا - كما يكتب - في المخيم فقرا مضاعفا، ويأتي في قصائده التي كتبها على الأعياد التي مرت عليه هناك، بل إنه يكتب عنها أيضا وهو يكتب فصلا من سيرته الذاتية. ولأنه في بدايات اللجوء كان طفلا ابن بضعة أعوام، فإنه لم يكتب إلا حين أدركته حرفة الأدب. هنا تذكر طفولته وأعياده فيها وكتب على الرغم من البون الشاسع بين الزمن المسترجع وزمن الكتابة.
كتب الشاعر قصائده التي استرجع فيها طفولته في العيد في العام 1989. كان يومها يقيم في تونس وكانت طفولته مختلفة كليا عما هو عليه يوم كتب. في الطفولة عاش في بيت من الصفيح، بل إنه شاهد أمه تقسم الغرفة الوحيدة إلى غرفتين ليتزوج في نصفها أخوه الكبير مصطفى.
في 28/8/ 1989 كتب الشاعر قصيدة عنوانها «تركته نائما: وذلك آخر عهدي به»، وذلك الذي كان آخر عهده به هو العيد نفسه. يصف أحمد في قصيدته بيتهم. يصف بابه البائس وزجاجة القنديل المكسورة، ويأتي على حالته وثيابه الرثة التي تشبه شوالا. في العيد كان الطفل يسأل: من أي باب يدخل العيد؟ وثمة عيد كله بؤس وليس أمام الأم وهي ترى بؤس العائلة إلا العودة بذكرياتها إلى حيفا. هناك كان العيد مختلفا. وهكذا تخرج الأم الابن من حالة إلى أخرى؛ من البؤس إلى النعيم.
في فصل من سيرته الذاتية عنوانه «فصل من سيرة ذاتية: الحقيقة.. ولا شيء غير الحقيقة» (مجلة رؤية/ غزة العدد 16) يكتب الشاعر عن العيد الآتي:
«لأن أبي كان مسحرا في رمضان، فقد كان يحرمني فرحة العيد. كان يجبرنا على أن ندور معه ونطوف البيوت لجمع الكعك، وكنت انفجر بالغضب أحيانا.... وكان لأمي أسلوبها في المواساة: «غدا يا حبيبي آخذك إلى حيفا... وهناك يندف الثلج في ساحة الجرينة... وتأتي أم كاملة فتجعل الثلج دندرمة ويأتي السعيد أبو أحمد بالكعك المحشو بالجوز واللوز فتأكل حتى تشبع».
كان أحمد دحبور في العيد يذهب إلى المراجيح، وكان صاحب المرجيحة يأخذ من الأطفال النقود أو كعك العيد، وكان كعك أحمد يختلف: «كنت، دائما، أنا وأختي مريم، من فصيلة الكعك الذي كان يزيد من مهانته أنه مجلوب من بيوت الناس، وليس من صنع البيت». ويضيف: «وذات يوم حزنت وبكيت وتفعفلت في الأرض: أريد أن أركب المرجيحة بـ(المصاري) وليس بالكعك، ومن أين (المصاري؟).
هكذا هو عيد اللاجئ كما عاشه وما من شك في أن كتابة كلا الشاعرين تختلف.