حماس ودحلان والإنذار الأخير

التقاط.PNG
حجم الخط

 

ملامح التفاهمات التي جرت بين محمد دحلان القيادى المفصول من حركة فتح وحركة حماس بدأت تحمل رياح جديدة لقطاع غزة، تفاهمت قد تفتك بعرش رئيس السلطة الفلسطينية الذي يحارب طواحين الهواء , فتارة يعلن الحرب على حركة حماس بحصار موظفيها وقطع رواتبهم وقطع الكهرباء عنهم ومنع تزويدهم بالوقود ومنع تحويلهم للعلاج في الضفة الغربية واحالة العسكريين إلى التقاعد المبكر وغيرها من الاجراءات العقابية التي فرضها على قطاع غزة بغية اجبار حماس على المصالحة والتخلى عن حكم القطاع , وتارة أخرى يحارب شبح دحلان في كل مؤيديه يفصل ويستبعد كل من تدور حوله شبهبة التأييد لدحلان! إنها اجراءات «الانفصال التام أوالموت الزؤام» , إنذار حاسم وجهه الرئيس محمود عباس لحركة حماس لرفع سيطرتها عن قطاع غزة أو ايقاف المساعدات , خطوة قد تزيد من تفاقم الوضع الصعب لدى سكان قطاع غزة مما ينذر بتصعيد الأمور وصولا إلى خلق حرب جديدة من قبل حماس مع اسرائيل , خيار قهرى ينتظره القطاع بعد الاجراءات العقابية القاسية التي اتخذها الرئيس «أبومازن» بحق أكثر من 60 ألف موظف تابع للسلطة الفلسطينية بحرمانهم من ثلث رواتبهم وتوعدهم بالمزيد من الاجراءات العقابية «فالقادم أسوأ» على حد تهديده , الأمور تتداعى بشكل سريع تهرول نحو الانفجار غير محسوب العواقب , وكرة النار تتدحرج سريعا يتلقفها سكان القطاع المحاصرين الذين يعانون من الأمراض والفقر والبطالة وحروب التجويع والاظلام والتلوث , معادلة ظالمة وضعها أولى الأمر أمام الرعية وعليهم الاختيار إما الموت جوعا وحصارا أو انفصالا وعزلا عن محيطهم الجغرافى وتواصلهم التاريخى مع باقى الوطن , ليصبح «الانقسام» الذي ضرب وحدة الجغرافيا «شرعى» لا غضاضة فيه ولا غبار عليه, ولتصبح غزة بأزماتها ومشاكلها وأعباءها خارج حدود الاهتمام السياسى والاقتصادى والاجتماعى للسلطة الشرعية الفلسطينية ومقرها رام الله برئاسة محمود عباس .
ما تحمله رياح رام الله من تصريحات المسؤولين في السلطة تسوق المبررات والأسباب التي أدت إلى هذه الاجراءات وفى كل تصريح يعمد المسؤولون على التأكيد بأن المستهدف من هذه الاجراءات هي حماس التي تسببت في الانقسام وليس أهالى القطاع الذين هم جزء أصيل من المكون الفلسطينى فلا يعقل أن تستمر الحكومة تدفع وحماس تحكم! كلام جميل لكنه لا يعدو كونه إطلاق بالونات اختبار في سماء غزة لاختبار قدرات حماس واستعداداتها على تحمل القادم الأسوأ الذي وعد به أبومازن، ويبدو أن الأخيرة تهيئ نفسها لهذا الأسوأ عبر التهديد والوعيد والكلام الرشيد الذي تصدره بين الحين والآخر في تصريحات مسؤوليها وقياداتها .
فهل حركة حماس قادرة على مواجهة هذه اللحظة الفارقة في تاريخ القضية الفلسطينية؟ وهل السلطة الفلسطينية قادرة على تحمل تداعيات هذا الانفصال سياسيا واقتصاديا واجتماعيا؟ 
إن قدرة حماس العسكرية تجعلها مؤهلة وواثقة من خطواتها على الأقل الأمنية بشد الأحزمة والضرب بيد من حديد على كل من يخرج عن سياساتها، غير أن القبضة الأمنية والقمعية لمواجهة أي تمرد متوقع في القطاع لن يؤهلها للسيطرة على مليونى مواطن يعانون الفقر والحاجة والتسول فقدراتها المالية لن تفى بالغرض ولن تستطيع حل مشاكل مستعصية كالكهرباء والغاز والصحة ورواتب الموظفين , خاصة وأن صنبور الدعم القادم من الحليف الايرانى قد أغلق والدعم القطرى والتركى مرهون بالرضا الامريكى وله حساباته السياسية التي خرجت عن المخطط له , ومنافد الخروج والدخول لسكان القطاع مغلقة وبالذات معبر رفح البرى المنفذ الوحيد لسكان القطاع للتواصل مع العالم الخارجى , أما مجالها البحرى فتسيطر عليه اسرئيل وتراقبه على مدار الساعة , ووكالة غوث اللاجئين الاونروا تهدد بالرحيل فقدراتها الخدمية واللوجستية التي تقدمها لللاجئين الفلسطينيين لم تعد تحتمل الأعباء الثقيلة الملقاه على عاتقها في ظل شح الموارد ونقص التمويل , ولم يعد في جعبة حركة حماس من أوراق اللعبة سوى التلويح بالدخول في حرب محدودة ضد اسرائيل تعيد الانظار مرة أخرى إلى قطاع غزة ولفت الانتباه الدولى للمعاناة والكارثة الانسانية التي وصل إليها بسبب سياسة الحصار وضرورة معاقبة اسرائيل على ما آل إليه الحال , وفى الوقت ذاته الهاء الداخل بالتوحد لمواجهة عدوان اسرائيلى جديد ينسيهم أزماتهم الداخلية الطاحنة .
فماذا عن القيادى المفصول من حركة فتح محمد دحلان؟ أين سيكون موقعه في خريطة الصراع الدائر على قطاع غزة؟ دحلان الذي يملك جزء من قواعد اللعبة ما يؤهله لاستعادة دوره القيادى في القطاع خاصة أنه لا زال يتمتع بنفوذ ومؤيدين في غزة ويمتلك القوة وسطوة المال والأهم الدعم السياسى من دولة الامارات ومصر وقنوات اتصال بالمجتمع الدولى، هل يتحالف مع حركة حماس ويقدم لها الدعم من خلال الوساطة لدى مصر لفتح معبر رفح لتسهيل الحياة الانسانية على المواطنين؟ أم يستثمر الأوضاع السائدة لاستعادة دوره القيادى والمؤثر في القطاع؟ وإلى أي مدى ستسمح حماس لدحلان بالتدخل؟ الأيام حبلى بالتفاصيل وربما المفاجآت التي قد تقلب موازين المشهد السياسى الفلسطينى رأسا على عقب , بينما يستعد الرئيس أبومازن للقاء الرئيس الامريكى بداية الشهر المقبل في هذا الجو الملتهب المشحون بالاحتقان وعلى شفا الانفجار , لقاء لا يدعو للتفاؤل خاصة وأن الرئيس الامريكى دونالد ترامب لا يملك رؤية محددة تجاه حل الصراع الفلسطينى – الاسرائيلى ومن غير الواضح ماذا يريد ؟! فأى عملية سياسية لن تكون في مصلحة الفلسطينيين ما لم تترافق مع ضغط امريكى على اسرائيل لوقف الاستيطان والقبول بحل الدولتين وهذا ما لا يلوح في الأفق , والأهم رأب الصدع وترميم الشرخ الحادث في وحدة الصف الفلسطينى الذي قد يهدم المعبدعلى من فيه.