أخيراً، نحتتْ إسرائيل مطلباً جديداً، لم يكن على أجندتها: "إيقاف مرتبات الأسرى الفلسطينيين، وإيقاف مخصصات الشهداء والمعتقلين، كشرط للعودة للمفاوضات".
هذا الملف الجديد جاء بعد ملفٍ سابقٍ، كان شرطاً إسرائيلياً، ولا يزال، وهو: "على الفلسطينيين أن يعترفوا بإسرائيل دولة يهودية"!!
ابتدعتْ إسرائيلُ الشرط الجديد، على الرغم من أنها فاوضت الأسرى الفلسطينيين (الإرهابيين)!! ووقَّعت معهم اتفاقية أوسلو، وأشركتْهم في كل اللجان، بل إنها منحتهم بطاقات سفر خاصة جداً، يتمكنون بواسطتها من السفر بلا عوائق في كل مكان، ووافقتْ على تعيينهم وزراء، يلتقون مع وزراء إسرائيل في كل مكان، ووافقت على إطلاق سراحهم، في كل الصفقات، وصمتتْ عن تشكيل وزارة باسمهم، وزارة الأسرى والمحررين!!
ما مدلولات هذا الشرط الجديد؟
كنَّا نظنُّ أنَّ إسرائيل، كما الدول الأخرى، طوتْ ملف الأسرى الفلسطينيين، وفق مقولة: "السلام لا يكون إلا بين الأعداء" كنَّا نعتقد خطأً أن إسرائيل، ستتصرف بديمقراطية حقيقية! وتلغي (الثارات) القديمة، وتطوي ملفات (الدم) السالفة!
لم نصل إلى قناعة حقيقية، بأنَّ دولة إسرائيل لا علاقة لها بالديمقراطية، فهي دولة الانتقام بالدرجة الأولى، وهي الدولة الوحيدة التي أقيمتْ على (الثارات) لنفخ روح التفوق في الأجيال اليهودية، وتعزيز مخزون السوبرمانية العسكرية، وهي أبشع مظاهر التحريض على العنف!
إنَّ الهدف مِن دمج ملف أسرى الحرية بملف الإرهاب هو نزع القداسة عن قضية فلسطين، ومحو صيغة، أسير الحرب عن المعتقلين الفلسطينيين، بإلصاق تهمة الإرهاب بهم، ولإتمام المهمة يجب ربطُهُم بموجات الإرهاب العالمي!! ما يؤدي إلى تشويه القضية الفلسطينية في الداخل والخارج! وتقضي الخطة الإسرائيلية أن يكون المُنفِّذُ لقطع المرتبات الشهرية هم الإخوة والأهل، في صورة السلطة الفلسطينية!! عندئذٍ ستدور المعركة الطاحنة، ليس بين الاحتلال والفلسطينيين، بل بين العائلة الفلسطينية، وهذا هو المطلوبُ فعلُهُ!
لذا، فإن إسرائيل قامت بحملة دولية واسعة، برعاية أميركية، وتمكنتْ من إقناع دولٍ؛ بأن نقود دافعي الضرائب الأوروبيين والأميركيين تصبُّ في جيوب الأسرى الفلسطينيين، أي الإرهابيين!!
جهَّزتْ إسرائيل ملفاً خاصاً، سلمته لدونالد ترامب، يشمل جدولاً بسلم مرتبات الأسرى وفق سنوات سجنهم، ووزعتْ هذا الملف على كل سفاراتها، وجعلت هذا الملف، بفعل سطوتها الإعلامية هو الملف العاجل الجديد!!
إنَّ أسوأ أعراض هذه الفعلة يتمثل في أن المتضررين من المناضلين الأسرى سيصلون إلى قناعة مفادُها؛ أنَّ وطنهم لا يستحقُّ تضحياتِهم!! وهذا هو الشعار الذي تريد إسرائيل تحقيقه، لضرب جينة النضال الفلسطيني المقدس!!
وهذا هو المطلوبُ لتفكيك أهم ركائز النضال الفلسطيني، تمهيداً لتدمير بقية الركائز النضالية الفلسطينية، واحدة بعد الأخرى، المتمثلة في ملف القدس عاصمة فلسطين، وملف حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وملف إنهاء الاحتلال، وتفكيك المستوطنات!!