قيادة حماس الجديدة وبانوراما المصالحات

thumb (5).jpg
حجم الخط

من الواضح أن القيادة الجديدة لحركة حماس والتى تمثل الجيل الثانى من الحركة قد اكتسبت خبرة لا بأس بها بحكم التجربة القاسية في مجال الكفاح المسلح والأقسى في مجال العمل السياسى خلال العقد الأخير، ويظهر ذلك من خلال النهج السياسى للقيادة الجديدة والتى وصلت لسدة اتخاذ القرار في الحركة عبر انتخابات سرية قد يشكك البعض في ديمقراطيتها لكن في المقابل لا أحد بمقدوره إنكار أن هذه الخطوة تعد انجازً لحركة حماس في ظل الظروف الصعبة التى تمر بها، وخاصة أنها تُحسب على طيف حركات الاسلام السياسى الذى لم يعتاد المراقبين السياسيين رؤية الانتقال السياسى داخلها عبر الانتخابات إلا قليلاً .

إن النهج الجديد لقيادة الحركة والذى ظهر في خطوة الوثيقة السياسية الجديدة، وفى كيفية إدارة الصراع مع اسرائيل عقب جملة الضغوطات التى مورست عليها في الأونة الاخيرة، وقدرتها على على فتح خطوط اتصال مع مصر والامارات عبر تيار النائب محمد دحلان لخروجها من أزماتها السياسية المتتالية يشي بأن الحركة بدأت سياسة براغماتية لا علاقة لها بسياساتها السابقة المقيدة بحدود ومفاهيم الايديولوجية والتى أدت إلى ما آلت إليه الأمور من تردى في قطاع غزة، وأضاعت على الحركة فرص ذهبية لم تحسن استثمارها في تدعيم التلاحم والتوافق النضالى الوطنى وتدعيم صورتها كحركة مقاومة وطنية ضمن فسيفساء منظومة النضال الوطنى الفلسطينى ككل، وقد كانت قيادتها السابقة تسعى لتدعيم علاقاتها الخارجية على حساب التوافق الوطنى ظناً منها بقدرتها على التفرد بالقرار الفلسطينى بدعم قوى خارجية، لكنها بعد المتغيرات المتتالية في الساحة الدولية والمحيط العربى أيقنت قيادتها الجديدة أن العزلة المفروضة عليها لا يمكن مواجهاتها بنفس الأدوات السابقة وهنا اتجهت نحو حلحة الأزمة عبر تفاهمات أمنية عبر البوابة المصرية التى لا غنى عنها فلسطينياً، لكن في المقابل يجب الادراك أن تدعيم موقف الحركة خارجياً وداخلياً لا يمر إلا عبر بوابة منظمة التحرير الفلسطينية التى تمثل أكبر انجاز سياسى فلسطينى وعربى خلال مسيرة الصراع والتى لن يكون بمقدور أى كان التفريط به وإدارة ظهره له نظراً للتبعات الكارثية المترتبة على خطوة من هذا القبيل على الوضع الفلسطينى والعربى؛ كذلك من الحكمة البناء على ما هو قائم وحل اللجنة الادارية وإتمام المصالحة وانهاء الانقسام وتقديم تنازلات لمصلحة القضية الفلسطينية، ومن الحكمة كذلك أن تقدم القيادة الجديدة على الخطوة الأولى وأن لا تلتفت إلى الوراء كثيراً وأن لا تنتظر كثيراً أى تحولات تكتيكية من هنا أو هناك لأنها في النهاية لن تكون الا مسكنات سرعان ما سيبطل مفعولها مع الوقت، ولن تجلب أى حلول جذرية لتقويم مسيرة النضال الفلسطينى نحو هدفه الطبيعى وهو إنجاز المشروع الوطنى الفلسطينى الذى بات اليوم وبفعل ما آلت له الأمور على الساحة الداخلية الفلسطينية وراء ظهورنا . وعلى القيادة الفلسطينية أيضا الممثلة للشعب الفلسطينى التقاط هذه الفرصة والتقدم بشكل عملى نحو لملمة الحالة الفلسطينية المترهلة بكل مكوناتها واختلافاتها وخلافاتها، ورأب الصدع الذى أصابها والتوصل لتسوية عملية مع حركة حماس لإنهاء الانقسام، ومواجهة المؤامرة الاسرائيلية التى تحاك لإنهاء قضيتنا موحدين ولاستثمار كافة علاقاتنا الخارجية بما يخدم مصلحتنا الوطنية .

إن إنجاز المشروع الوطنى الفلسطينى ليس رهناً ببقاء قائد أو تنظيم ما فى سدة الحكم ولا فى وصول آخر بقدر ما هو رهن بتكاثف الجميع في الحفاظ على مكان للآخر بجانبه ضمن فسيفساء النضال الوطنى الفلسطينى لصياغة خارطة طريق النضال الفلسطينى وإدارة الصراع ضمن استراتيجية تثبيت الفلسطينى على أرضه لمواجهة القادم الذى لا يبدو مبشراً مع وصول مشاريع تصفية القضية لمراحل متقدمة تنذر بضياع الحقوق التاريخية للشعب الفلسطينى بنسف الأسس الدولية لإنهاء الصراع وبالتنكر للمرجعيات الدولية للحل وتحويله لصفقة، ولن نكون نحن الرابحين فيها بالمطلق وتلك هى مهمة القادة الحقيقين فالقائد الحقيقى هو ذاك الذى بجواره قادة وكذلك الأحزاب والتنظيمات لا أحد بمقدوره أن يصل منفرداً فإما أن نصل معاً أو لن نصل جميعا وغير ذلك هو سراب بصحراء يحسبه الظمآن ماء .