نانا تري الأشياء مضخمة ومجتمعة ومنفردة, تراها قريبة وبعيدة ومستحيلة, تراها بتفاؤل وتشاؤم,تتحكم فيها بهدوء وبعصبية, كل ذلك يعود الي حالتها النفسية,لكنها تحاول الابتعاد عن كل شيء وتقترب خلسة من كل شيء, لا تريد أن تعرف شيء, ولكنها تعرف كل شيء, تحب الحياة وتكرهها, تعيش في محيط مليء بالتناقضات وتتعارك مع ذاتها, تنهار وتقف ثانية علي قدميها,وتظهر قوية أمام صديقاتها اللواتي أصبحن شغلها الشاغل.
دق هاتفها النقال في ساعة متأخرة من الليل,فكرت بالأمر, هل تجيب؟ ثم تناولت الهاتف وردت, في الجهة المقابلة رندا!
صباح الخير يا نانا, أنا آسفة جدا علي إزعاجك في هذا الوقت المتأخر
صباح النور يا رندا , تفضلي, هل أنت بخير ؟
كانت رندا تتحدث بصوت حزين مجهش بالبكاء, وقالت: لا يمكنني تحمل ما يحدث لي, أفضل أن أموت علي أن تستمر هكذا حياة
نانا: سلامتك يا عزيزتي, اهدئي, لا يوجد في هذه الحياة ما يستحق أن تموتي من أجلة,سوف أنتظرك في أقرب فرصة هذا الصباح وسوف نتحدث عن الأمور التي تؤلمك ونضع لها حلا, لا تقلقي, إنا بانتظارك .
وضعت نانا الهاتف النقال جانبا, وبدأت بالتفكير في أمور صديقتها رندا, فهي تعرف أن لديها مشاكل مع زوجها تتفاقم مع الوقت, وتعرف أن رندا تعيش مع زوجها زواجا شكليا, فهو مدمن ويتعامل معها في كل الأوقات بخشونة شديدة ويحاول أن يجبرها علي التعاطي, ولكنها ترفض, فينهال عليها بالشتائم والأذى الجسدي, رندا تدافع عن نفسها ولكنها في نهاية كل شجار تنهار وتستسلم للبكاء و والمهدئات.
وصلت رندا الي منزل نانا مع بزوغ شمس الصباح, وألقت بجسدها النحيل علي أريكة في غرفة نانا مستسلمة للبكاء والنحيب, حاولت نانا أن تهدأ من روعها وتواسها قليلا ثم ذهبت وأحضرت لها كوبا من القهوة.
بدأت رندا الحديث بعد أن هدأت : لا أستطيع الاستمرار, حياتي تحولت الي جهنم, سوف أطلب الطلاق , ولن أعود الي بيتي ثانية, وأهلي يؤازرونه , وهم الي جانبه
يرفضون فكرة الطلاق نهائيا.
صمتت نانا وغاصت في تفكير استمر لدقائق, نظرت الي رندا وسألتها: هل انت متأكدة انك لن تعودي إليه,
رندا لا لن اعو داليه , ولن أذهب الي منزل أسرتي, سأذهب الي الشوارع وأنام في الحواري, لن أعود وعلي صوت بكاؤها,
نظرت إليها نانا وقالت: أسمعيني جيدا أنا مقتنع بما تقولين, فليذهب وكل من هو علي شاكلته الي جهنم.
لدينا شقة غير مأهولة في منزلنا القديم,سوف تقيمين فيها وتقومين حالا بالشروع في إجراءات الطلاق, لا أحد سيجبرك علي العيش مع شخص مدمن وعنيف وعدواني, اذهبي الي بيتك واحضري متاعك وانأ بانتظارك في الشقة.
غادرت رندا علي وجه السرعة الي بيتها وحملت متاعها الي مسكنها الجديد,وأحضرت نانا بعض الأشياء ووضعتها في الثلاجة وجلست مع رندا يتدبران الأمر.
بدأت رندا حياة جديدة عقيمة وصعبة للغالية وبقيت منعزلة تعيش بالنذر اليسير مما لديها, ولكنها باشرت بإجراءات الطلاق, وطلبت من نانا أن تذهب الي زوجها تتفاوض في أمور الطلاق
استقبلها في مكتبة بحفاوة,وأحضر لها كوبا من العصير الطازج, لكنها تركته فهي تخشي من المخدر, انهال عليها بالمديح وكلمات الغزل,ونسي زوجته نهائيا , لكن نانا أصرت أن تدخل في موضوع طلاق رندا, فألمح لها انه يرغب بالزواج منها , فهي كانت منذ البداية محط إعجابه, وليس رندا , ولكنه تزوج رندا تحصيل حاصل.
شعرت نانا بانزعاج شديد منه, وتماسكت حتى لا تنفجر فيه, واعتذرت عن الزواج,فطلب منها أن تمهله يومين قبل أن يخبرها برده النهائي في موضوع الطلاق.
التقت به بعد يومين وأعاد نفس الطلب بالزواج منها ولكنها رفضت بشدة, فقال لها عند ذلك:سأوافق علي الطلاق إذا قامت رندا بدفع كل ما هو وارد في عقد الزواج,
ردت نانا قائلة : نعم سوف توافق.
حصلت رندا علي الطلاق, وظلت تسكن في بين نانا منغلقة علي نفسها, وعندما عرفت أسرتها أنها حصلت علي الطلاق جن جنونهم, ولكنهم لن يستطيعوا عمل شيء ضدها فهي بالغة سن الرشد.
شعرت نانا أنها انتقمت منه بعد حصلت صديقتها علي الطلاق.
drkamilshami@yahoo.com