الشهيد المُطارَد «خالد نزال»

ريما كتانة نزال.jpg
حجم الخط

اجتياح الاحتلال مدينة جنين واعتقال نصب الشهيد المطارد «خالد نزال»، أعاد صيغة العلاقة بين الاحتلال والشعب الفلسطيني إلى مكانها الطبيعي، بين شعب واحتلال. نفَّذ الشعب قرار المجلس المركزي بإعادة صياغة العلاقة مع الاحتلال قبل الجهة التي اتخذت القرار. لكن الصفحة التي تمخض عنها المشهد الجديد، والذي انتهى باعتقال النصب التذكاري للشهيد المطارد «خالد نزال»، لم تتمكن من غلق الصفحة السوداء التي فتحت بإزالة النصب. فلكل مشهد تبعاته ومستحقاته في السياق الوطني والسياسي.
حين تذرعت بلدية جنين إزالة النصب بتهديد الاحتلال اجتياح المدينة لتدمير ميدان الشهيد وضعتنا في وضعية الدفاع عن بديهيات فلسطينية مقدسة، الدفاع عن الذاكرة وحق المقاومة الذي نصت عليه المواثيق الدولية، وتراجعها أمام الحالة الشعبية الرافضة لفعلتها، من المفترض أن يترتب عليه أي تفكير أو توجه من أي جهة فلسطينية وقف كل التوجهات والقرارات ذات الصلة، المُدرجة تحت عناوين وقف رواتب الأسرى والشهداء.
موضوعان مرتبطان ببعضهما البعض. رفض الشعب قبول التصنيف الأميركي للقطاعيْن في خانة الإرهاب، من الطبيعي أن يترتب عليه الالتزام من جانب السلطة الوطنية الفلسطينية  رفض تلك الشروط والإملاءات. لقد عبَّر الشارع الفلسطيني بشكل واضح لا يقبل الجدل في الدفاع عن ثوابته ونواميسه الوطنية، تجلّت في التصدي المباشر لقوات الاحتلال التي اجتاحت المدينة وقامت بتدمير النصب، وسقوط جرحى في الدفاع عن ميدان الشهيد «نزال» رسالة بليغة الدلالة عن الموقف الشعبي والمتمثل بإجماع فلسطيني على رفض الالتزام بشروط أميركا الترامبية وإسرائيل التعجيزية تحت عنوان: «تجفيف مصادر الإرهاب». وهو من جانب آخر دعوة إلى هذا العالم المنافق بأن جذر الإرهاب ومصدره على الدوام هو الاحتلال الإسرائيلي وليس ضحاياه.
 موقف شعبي واضح يرفض إعطاء الغطاء لأي جهة سياسية تحاول المساومة على المرتكزات الوطنية، جزء أصيل منها قضية الأسرى والشهداء والجرحى، لا سيما أن المطروح في المقابل مفاوضات لن تختلف كثيراً على أنها على مدار ربع قرن من الزمن لم تفضِ إلى أي نتائج تذْكَر، اللهم إلا إعطاء الاحتلال مزيداً من الوقت للتهويد والاستيطان الزاحف كالسرطان، علاوة على أنها لا تحظى بثقة المواطنين وفصائل العمل الوطني كما أبرزتها استطلاعات الرأي مؤخراً، المراكز المحلية والدولية. آخذين بالاعتبار معيقات وتحديات استمرار الانقسام، سياسياً وإدارياً وجغرافياً.
السؤال الدائر في المدينة: إن كنا ندرك المخاطر التي نذهب إليها، المسألة أكبر من هدم أو تدمير نصب تذكاري للشهيد «خالد نزال»، القضية أكبر من ذلك. فالتدمير على يد الجانبين أعاد الحياة للشهداء كقطاع مُستهدف ومُطارد للاحتلال، لم يكن «خالد»، حياً أكثر من لحظة التخطيط مجدداً لاغتياله. إن استهداف خالد ورفع رمزيته إلى درجة قصوى يمثل أحد التمارين الترويضية، للتمهيد لقبول جميع الشروط التعجيزية، شرط التأهل للمفاوضات القادمة في ظل حالة فلسطينية ممزقة.
أين خط النهاية في ظل القبول بالشروط التعجيزية؟! ما هي النقطة التي سنبدأ من بعدها المفاوضات؟ هل رواتب أسر الشهداء والأسرى والنصب التذكاري والميادين المسماة بأسماء الشهداء والشوارع وربما القبور مدرجة على عناوين المفاوضات؟! هل علينا البدء في «فرمتة» الذاكرة ومسح قاعدة بيانات الشهداء والأسرى من الذهن الفلسطيني؟
والسؤال الأهم المطروح، على ذات الخلفية عن موقف الهيئة القيادية الأولى في منظمة التحرير؟ أين موقفها من الحدثين؟ لم ألحظ رد فعل منها وخاصة بعد تدمير الاحتلال للنصب. سؤال عن موقف الحكومة من اجتياح مدينة جنين الواقعة في المنطقة المصنفة «أ»!؟ ألا يجدر إصدار موقف يشجب الاجتياح وإزالة النصب أسوة بموقفها من حادث السير الأليم الذي وقع بالتزامن مع الاجتياح ؟؟؟
إنها أسئلة تنكأ الجرح الفلسطيني المفتوح من الاحتلال والمشروخ على المستوى الداخلي، إنها أسئلة الارتخاء الذي ظهر في معركة تدنيس أثر الشهداء الذين يشكلون البوصلة التي تشير إلى فلسطين دون مواربة أو مساومة، معركة اعتقال وتدمير نصب الشهيد «خالد نزال» لن تقف عند حدود ما ظهر منها إسرائيلياً، بل سيكون لها ما بعدها فلسطينياً إن قبلنا بالإملاءات والشروط الإسرائيلية وهذا هو مكمن الخطر على القضية الوطنية وعلى الشهداء، قناديل الحرية التي تحرس ترابنا.