ثلاثة أسئلة صادمة:
هل نحن جديرون بالنصر.. الآن؟
هل نحن قادرون على وراثة إسرائيل.. الآن؟
هل إذا «انهارت» إسرائيل غدا، لن تنهار فلسطين بعد غد؟
في حياته، أجاب الشاعر على السؤالين الأوّلين: لا. على سؤال ثالث: هل أنشر كلامك على لسانك؟ لا.. ولا!
سأقول: جدارة النصر غير جدارة النضال، بمعنى أن نضال الشعب الفلسطيني، وأشكال مقاومته ومواقع حروبه، هو أمر لا يُشبه ولا يقارن بمقاومة يهود ألمانيا وأوروبا للنازية.
قاوم الفلسطينيون المشروع الصهيوني في بداياته، وفي مقاومتهم لدولة إسرائيل بالكفاح المسلح، منذ تأسيس قوات العاصفة ـ فتح، خاضوا حروباً أهلية عربية في الأردن ولبنان ومع سورية، وأحياناً بين الفصائل الفلسطينية ولو بشكل مناوشات، وصدامات، وانشقاقات كانت ذروتها، بعد حرب الاجتياح للبنان 1982 وخروج بيروت، ما حدث في طرابلس لبنان، أقسى انشقاق في المنفى!
سنلاحظ، قبل الاجتياح الإسرائيلي 2002، كان إسرائيليون يسألون عرفات أن يحسم الخلافات الفلسطينية، كما حسم بن ـ غوريون خلافه مع حزب «حيروت»، عشية إعلان دولة إسرائيل، بحادثة السفينة «ألتالينا»، حيث أطلق الجيش الإسرائيلي صلية قذائف، بقيادة اسحاق رابين على سفينة أسلحة لحركة «حيروت»، وبعدها انضمّت إلى الجيش!
كان سؤالهم: أين هي ألتالينا الفلسطينية يا عرفات؟ ولم يعودوا لطرح السؤال بعد سقوط 1800 قتيل فلسطيني في غزة عام 2007!
سأقول على السؤال الثاني إن إسرائيل «ورثت» معظم أرض فلسطين بعمل دؤوب، خلال 60 عاماً، منذ مؤتمر بازل حتى إعلان إسرائيل، ثمّ احتلت سائر فلسطين منذ حرب حزيران 1967.
في معطيات موازين القوى الحالية بين فلسطين الضعيفة والصغيرة والمحتلة، ودولة إسرائيل القوية، المزدهرة، يمكن لإسرائيل أن تتحكم وتدير شؤون فلسطين الصغيرة، ولا يمكن لفلسطين أن تدير شؤون إسرائيل، أو «ترثها». لا جدارة بالنصر الآن، ولا قدرة على الوراثة.. الآن، وفي المستقبل المنظور!
في وقت صعب فلسطيني (منذ متى لم يمرّ علينا الصعب والأصعب؟) قال الشاعر، في غير مجال: «لعلّ انهياراً يحمي انهياري من الانهيار الأخير».
كانوا هناك يقولون: تزامنت اليقظتان العروبية والصهيونية في وقت متقارب، ولكل منهما «روايتها»، وهناك، من بيننا، من يقول إن المقاومة الفلسطينية المسلحة بدأت في عصر حركات التحرير، وشرعية دولية، في ميثاق الأمم المتحدة وغيره، لممارسة العنف الثوري والكفاح المسلح.. الآن، صار العالم يدمغ كل شكل من العنف، أو المقاومة الشعبية السلمية، بأنه شكل من الإرهاب، حتى الحجر!
مع ذلك، فإن النضال العام الفلسطيني وأشكاله للانعتاق من ربقة الاحتلال، وصل أواخر ومطالع القرن المنصرم والحالي، إلى «الحل بدولتين» كمشروع فلسطيني له شرعية دولية.
.. لكن، سوية مع ذلك، سياسياً وأمنياً، فإن نصف قرن من احتلال لاحق لفلسطين، أوصلنا وإسرائيل إلى حالة شبه اللاـ انفكاك الديمغرافي على جانبي «الخط الأخضر» وكذا الاتكالية والاعتمادية الاقتصادية المتبادلة، لكن يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي القوي أن يستغني عن السوق الفلسطينية، ولو أنها ثاني سوق لصادراته العالمية، وتشكل 6% فقط منها، فإن ما يقارب 82% من الصادرات الفلسطينية تذهب لإسرائيل، بينما الواردات الإسرائيلية للسوق الفلسطينية تشكل 64% من الواردات.
حسب تقرير إسرائيلي ناقشته إحدى لجان الكنيست فإن مقاطعة الفلسطينيين للبضائع الإسرائيلية تشمل فقط 13% من مجموع الصادرات الإسرائيلية للسوق الفلسطينية، بينما النفط والكيماويات ومواد البناء تشكل 41%، وجميعها تشكل 1,4% من صادرات إسرائيل للعالم.
هذا يعني أن الاتكالية والاعتمادية الاقتصادية المتبادلة تميل بشدّة لغير صالح فلسطين التي ستظل مرتبطة بعملة الشيكل حتى زمن طويل جداً بعد تحقق الانعتاق السياسي والأمني من الاحتلال الإسرائيلي. دعكم من الحنين للجنيه الفلسطيني!
حسب التقرير ذاته، فإن العمالة الشرعية لليد الفلسطينية في الاقتصاد الإسرائيلي ارتفعت من 38 ألفا عام 2007 إلى 92 ألفا عام 2014، وبينما لا توجد بطالة عملياً في إسرائيل فهي حالة مزمنة في فلسطين، خاصة في قطاع غزة.
هذا يعني أن الاقتصاد الفلسطيني التابع للاقتصاد الإسرائيلي أوصلنا إلى حالة اللاـ انفكاك اقتصادياً، والاستيطان أوصلنا إلى حالة صعوبة الانفكاك الديمغرافي، خاصة إذا تحقق الطموح الإسرائيلي بإسكان مليون مستوطن في هذه الضفة بعد سنوات، بينما سيكون تعداد الفلسطينيين في إسرائيل قارب المليوني نسمة!
إذا التفتنا إلى الواقع السياسي العربي، سنرى أن شعار: دول الثورة ودول الثروة انتهى إلى انهيار دول المركز العربي الراديكالي (سورية، العراق، مصر) وانتقل إلى المركز الخليجي مالياً وإعلامياً وثقافياً وسياسياً، الذي بدأ تفكُّكه مؤخراً.
تبخّر شعار: الوحدة العربية طريق التحرير، ويبدو أن فلسطين ستكون شكلاً ثالثاً أو رابعاً من الكيانات السياسية الدولية، ولعلّ حكماً ذاتياً حقيقياً وسياسياً مزدهراً، أحسن من دولة فاشلة اقتصادياً.
شمعة شحيحة أولى
من بين الدول العربية، كانت سورية تملك اقتصاداً متوازناً نسبياً في فروعه المختلفة. بعد سبع سنوات من الصراع في سورية وعليها، هناك ضوء شحيح، حيث عاد إلى البلاد منذ مطلع هذا العام زهاء نصف مليون سوري إلى مدنهم وقراهم بعد هجرة داخلية، وكذا عودة محدودة للسوريين المهاجرين إلى بلاد أُخرى.