حضور نسائي جميل

عبد الغني سلامة.jpg
حجم الخط

مئات الكتب والدراسات والمقالات تحدثت عن المرأة الفلسطينية، وأسهبت في شرح قضيتها من مختلف الجوانب والأبعاد.. وكل ما كُتب وما قيل لا يفيها حقها.. في هذه المقالة سنحاول التركيز على تجارب وأسماء لنساء فلسطينيات ما زلن على قيد الحياة، أو توفين من فترة قريبة. 
المرأة الفلسطينية، وبالرغم من كفاحها المرير، وتضحياتها الكبيرة، والأدوار المركبة والصعبة التي مارستها بكل بطولة وشجاعة.. في ساحات الوغى وميادين الفكر والثقافة والإبداع والفنون والآداب بأنواعها، في البيت والمدرسة والشارع، وفي المؤسسة والحقل والمصنع والمظاهرة... إلا أنها ما زالت تعاني من أشكال عديدة من القهر والظلم الاجتماعي.. ومع ذلك، فقد حققت نجاحات جيدة ومهمة تستحق الاحترام، وهي جديرة بالدراسة..
مثلا، في وزارة الاقتصاد الوطني (وهي مكان عملي) حضور نسائي نوعي ومميز، حيث تجري عملية تحول هادئة نحو إعطاء النساء فرصة قيادة الوزارة بالكامل؛ تترأس الوزارة السيدة عبير عودة، وكيل الوزارة المهندسة منال فرحان، وبقية الإدارات العامة أغلبها أيضا تحت القيادة النسوية: الموارد البشرية، الشؤون القانونية، الصناعة، التجارة، تكنولوجيا المعلومات، النوع الاجتماعي.. والجميل في الموضوع أن الموظفين بشكل عام، متقبلون تماما وبعقلية إيجابية منفتحة لفكرة الإدارة النسوية..
وقد سبق لسيدات أخريات أن ترأسن وزارات مهمة، وأنجزن مهماتهن بجدارة واقتدار: المرحومة ربيحة ذياب لوزارة شؤون المرأة، انتصار الوزير للشؤون الاجتماعية، حنان عشراوي للتربية والتعليم العالي، سهام البرغوثي للثقافة، رولا معايعة للسياحة... وهناك عدد لا بأس به من السفارات الفلسطينية في الخارج قادتها أو تقودها نساء؛ ليلى شهيد في باريس قبل سنوات، هالة فريز في استوكهولم، خلود دعيبس في برلين، ليندا صبح في فنزويلا، مي كيلة في روما وغيرهن كثيرات، ولدينا هنا المحافِظة المحبوبة والأقرب لقلوب المواطنين د. ليلى غنام محافظ رام الله والبيرة. والسيدة علا عوض التي تقود الجهاز المركزي للإحصاء بمهنية عالية.
في أول انتخابات رئاسية نافست المرحومة سميحة خليل الزعيم ياسر عرفات.. وفي الانتخابات البلدية التي جرت مؤخرا، فازت المهندسة الشابة يسرا بدوان (25 عاما) برئاسة بلدية عزون بمحافظة قلقيلية، كما فازت الناشطة سمر صلاح الدين برئاسة بلدية حزما، وهي أيضاً الأصغر سناً بين أعضاء اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
وسبق للسيدة جانيت ميخائيل أن ترأست بلدية رام الله، وللسيدة فيرا بابون أن ترأست بلدية بيت لحم.. والمجتمع الفلسطيني من المجتمعات القليلة (بل والنادرة) في العالم العربي التي تقبل تولي المرأة مناصب قيادية عامة.
النظام السياسي الفلسطيني خصص وزارة كاملة للمرأة، وفي القانون أيضا: على أية قائمة انتخابية (برلمان، بلدية، مجلس قروي، جمعية..) أن تخصص بين أعضائها مقاعد معينة للنساء.. في الأحزاب والفصائل الوطنية (وأيضا الإسلامية) تبوأت نساء كثيرات مواقع قيادية بارزة ليس بفضل «الكوتا»؛ بل لأنهن جديرات بتلك المواقع.. المرحومة جميلة صيدم، آمال حمد، دلال سلامة، ريما نزال، ماجدة المصري، زهيرة كمال.
وإذا أردنا الحديث عن كفاح المرأة الفلسطينية ودورها في النضال الوطني، سنحتاج دراسات موسعة.. يكفي أن نذكر دلال المغربي، وشادية أبو غزالة، وليلى خالد، وعائشة عودة، ورسمية عودة... وملايين الأمهات الصابرات..
في الأدب والثقافة لدينا قائمة طويلة لرائدات فلسطينيات: سلمى الجيوسي، فدوى طوقان، سحر خليفة، والفنانة تمام الأكحل.. في التعليم، لدينا حنان الحروب التي حازت على جائزة أفضل معلمة في العالم.. في الفن لدينا كاميليا جبران، وريم تلحمي، وريم البنا، ودلال أبو آمنة.. في حقل الصحافة لدينا عدد كبير من الكاتبات المحترفات اللواتي يكتبن بانتظام في الصحف المحلية: فيحاء عبد الهادي، سما حسن، حنان باكير، ريما نزال، عطاف يوسف، ولدينا من يترأسن هيئة تحرير صحف مهمة: رولا سرحان للحدث، ولبنى الأشقر لصوت النساء، ونبال ثوابتة لجريدة الحال.. وفي نفس مجال الإعلام أيضاً برزت المرأة الفلسطينية بشكل مثير للإعجاب، ولدينا عشرات الأسماء اللامعة لفلسطينيات حققن نجاحات مهمة على المستويين العربي والعالمي، لبيس فقط في الإعلام، بل وفي شتى المجالات الأخرى.. ولتعذرني كل المبدعات اللواتي لم أذكرهن، لأن المقال لا يتسع لذكر أسمائهن.
والإنجازات التي حققتها المرأة الفلسطينية لا تنحصر فقط في الوطن؛ أيضا في المنافي والشتات.. في بريطانيا مثلا، في الشهر الماضي، هزمت الفلسطينية ليلى موران مرشح حزب المحافظين نيكولا بلاكوود المؤيد لاسرائيل، ودخلت مجلس العموم البريطاني. 
ولكن، حتى لا نقدم صورة زائفة عن وضع المرأة الفلسطينية، أو متفائلة أكثر من اللازم، يجدر التذكير بأننا ما زلنا نسمع كل يوم قصصا كثيرة ومقلقة عن نساء معنفات، وعن حرمان النساء من الميراث، والزواج المبكر، وما يسمى جرائم الشرف، والتحرش الجنسي، وتدني أجور العاملات، وحرمانهن من تكافؤ الفرص مع الرجال، ووجود بعض القوانين المجحفة بحق المرأة، والتي تنتقص من مكانتها.. وما زالت القيم الذكورية سائدة ومهيمنة على المجتمع..
المرأة، النصف الأحلى من المجتمع.. المكملة لنصفه الثاني.. وأي مجتمع يريد النهوض والتطور، عليه أن يحترم المرأة ويقدر مكانتها، ويتخلى عن نظرته الدونية تجاهها.. وخلاف ذلك، سيظل متعثرا في مسيرته، وسيظل مجتمعا ناقصا وجافا وبشعا مهما حاول أن يجمل من صورته.