هل يطمح الأردن بأكثر من وقف دائم لإطلاق النار على الجانب السوري من الحدود؟
لا شك في ذلك، ويتحرق ليوم تعود معه حركة التجارة والنقل بين البلدين، ويستعيد الأسواق التي خسرها وعلى الأخص السوق اللبناني.
صحيح أن القطاعات الاقتصادية تكيفت مع الأوضاع القائمة، وخطوط النقل البديلة، لكن الخسائر المتراكمة لا يمكن تعويضها إلا باستعادة الوضع السابق.
لكن الأمر لن يكون بهذه السهولة في الوقت الراهن. يظهر الجيش السوري رغبة قوية باستعادة السيطرة على الشريط الحدودي مع الأردن، في إطار تصور أوسع لمرحلة ما بعد "داعش" تدخل فيه حسابات إقليمية لحلفاء دمشق.
ورغم اشتداد المعارك والقصف الجوي على مناطق في درعا، إلا أن تغيرا جوهريا في ميزان القوى على الأرض لم يحصل بعد؛ المعارضة المسلحة القريبة على الأردن والحاضرة في أروقة مفاوضات جنيف وأستانة، ما تزال صامدة في مواقعها. وفي خطوة احتجاجية ردا على القصف المتواصل، قررت فصائل الجبهة الجنوبية مقاطعة اجتماعات أستانة المقررة غدا.
في الأثناء تستمر الاتصالات الأردنية الروسية الأميركية، للتوصل لصيغة تفاهم حول ترتيبات منطقة خفض التوتر في الجنوب السوري. وحسب تقارير صحفية وصلت المباحثات مرحلة متقدمة، يمكن معها توقع التوصل لاتفاق في وقت قريب.
سيمنح هذا الاتفاق فرصة لاستعادة الهدوء في الجنوب، لكن من الصعب أن يمنح لجيش النظام الفرصة لبسط سيطرته على الشريط الحدودي كاملا، وإلا أصبح الاتفاق من حيث المبدأ لاغيا.
وعلى فرض أن تمكن الجيش السوري من السيطرة على المعبر الحدودي مع الأردن "نصيب"، فذلك ليس كافيا لاستعادة حركة النقل بين البلدين، ما لم تتوفر ضمانات قاطعة بتأمين الطرق التي تربط الحدود بباقي المناطق السورية، ومنها إلى الأراضي اللبنانية.
الفصائل المسلحة لن تعطي قوات النظام الفرصة لتشغيل المعبر بشكل مستقر، وستواصل هجماتها هناك.
تأمين وضع دائم من الاستقرار على المعابر يتطلب تفاهمات روسية أميركية وأردنية سورية. لقد سعت دمشق منذ أشهر لإقناع الأردن بفتح معبر بديل إلى الشرق من الحدود وبالتحديد عند الجهة المقابلة لمحافظة السويداء، لكن الاقتراح لم يتبلور لاتفاق بسبب تعقيدات أمنية ولوجستية، كما أنه يحتاج لفتح وتعبيد طريق طويل وصولا لنقطة الحدود المقترحة من الجانب السوري.
وما يثير قلق الأردن البالغ هو أن تتحول منطقة الحدود لميدان عمليات لمليشيات مذهبية تقاتل لجانب النظام السوري، وتخطط لتوسيع نطاق نفوذها جنوبا، ما سيؤدي في نهاية المطاف لمواجهات طائفية مع القوى المحلية في الجنوب السوري، وتعريض مصالح الأردن العليا لمخاطر غير محسوبة.
وثمة تقديرات عند خبراء بأن قوات الجيش السوري لا تستطيع فرض سيطرة دائمة على المناطق الحدودية بدون دعم تلك المليشيات.
هذه المخاوف هى التي تدفع بالجانب الأردني إلى الحذر الشديد حيال التطورات الجارية على الحدود مع سورية. وفي حال توفرت معطيات مختلفة، وتفاهمات وافية تضمن الاستقرار على الجانب السوري من الحدود، فإن أفضل خيار يناسب الأردن هو وجود جيش نظامي على الطرف الأخر، أي العودة للوضع كما كان قبل ست سنوات. هل يبدو هذا الخيار ممكنا في وقت قريب؟
عن الغد الاردنية