القضية الفلسطينية رهن الاتفاق النووي

فلم
حجم الخط

لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط دون التوصل لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية, نظراً لما تشكله فلسطين مركز الصراع العربي – الإسرائيلي منذ أن تم احتلالها. وعلى الرغم من حالة الزخم السياسي والتحرك الدبلوماسي والمؤتمرات التي تعقد والاتفاقات التي عُقدت والمبادرات التي تطرح من قبل المستوى العربي والإقليمي والدولي, في مسعى للتوصل لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي, وحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية ودفع عملية السلام خطوة إلى الأمام, إلا أن كافة تلك الجهود والمساعي لم تسفر عن أي اتفاق أو رؤية استراتيجية حقيقية وملزمة للجانب الإسرائيلي على وجه الخصوص, وذلك لعدة اعتبارات بدءً من استمرارية التعنت والرفض الإسرائيلي لكافة الحقوق الفلسطينية, واستمرار الولايات المتحدة الأمريكية في تقديم كافة أشكال الدعم والمساندة سياسياً وعسكرياً وعدم التخلي عن حماية أمن واستقرار إسرائيل ورفضها لأي مشروع يطرح للتصويت في مجلس الأمن يتعلق بالقضية الفلسطينية أو أي مشروع يدين إسرائيل, والتي كان آخرها إفشال أمريكا للمشروع العربي الذي قدم لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في نهاية شهر ديسمبر 2014, إضافة إلى ذلك ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من اضطرابات وصراعات متفاقمة,

وتنافس إقليمي ودولي للسيطرة على المنطقة خدمة لمصالحها ومشاريعها, واحتلال قضايا أخرى لسلم أولويات وأجندات واهتمامات المجتمع الدولي على حساب القضية الفلسطينية, متمثلة بالبرنامج النووي الإيراني, وحالة الفوضى الخلاقة – مشروع كونداليزا رايس - أو ما سُمي "بالربيع العربي", والذي نجم عنه تغيرات دراماتيكية في دول محور الاعتدال العربي, أدت إلى تبدل في مراكز القوى وتبدل في شكل الأنظمة السياسية وبروز وتنامي نفوذ التيارات الإسلامية المتطرفة والجماعات الإرهابية, إلى جانب الحروب المستمرة في المنطقة كالحرب الدائرة في سوريا والتدخلات الإقليمية والدولية والتداعيات الاستراتيجية والجيوسياسية الخطيرة للصراع الدائر في سوريا على منطقة الشرق الأوسط, وما تشهده الجمهورية اليمنية من انقلاب الحوثين وتشكيل تحالف عربي بقيادة السعودية للتصدي للخطر الإيراني بذراعه الحوثي, هذه القضايا ووفقاً للعقيدة الأمريكية تشكل مصدر تهديد لأمن واستقرار إسرائيل وبالتالي لأمن ومصالح أمريكا في منطقة الشرق الأوسط, وهو الأمر الذي لن تسمح به أمريكا. توصلت الـ(G5+1) وإيران لاتفاق إطار بخصوص البرنامج النووي الإيراني وذلك بعد عدة جولات مكوكية ومكثفة, يؤسس لإمكانية التوصل لاتفاق نهائي نهاية يونيو هذا العام. سيشكل هذا الاتفاق إذا ما تم إبرامه نقطة مهمة في سجلات إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما, إذ سيكون قد تمكن من كبح جماح البرنامج النووي الإيراني دون الحاجة لخوض حرب وبالتالي سيكون هذا الاتفاق قد استطاع ردع التهديد الإيراني وقوض من خطر البرنامج النووي, وسينتج عن هذا الاتفاق حالة من الاستقرار النسبي في منطقة الشرق الأوسط, ولكن كيف أثر اتفاق الاطار النووي على مسار القضية الفلسطينية؟

منذ اللحظة الأولى لبدء المسار التفاوضي بين الـ(G5+1) وإيران, أخذت الولايات المتحدة الأمريكية على عاتقها السعي للتوصل لاتفاق شامل بخصوص النووي الإيراني, وبالتالي فإن في الوقت الراهن لن تكون القضية الفلسطينية على سلم أولويات واهتمام الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي, وأن كافة الجهود التي تبذل من قبل وزير الخارجية الأمريكي ومفوضية العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي لإعادة المسار التفاوضي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي, تأتي في إطار المراوغة الزمانية والاستكشافية للتعرف على مدى إمكانية اطلاق المفاوضات مرة أخرى, ولكن بعد نهاية يونيو من هذا العام وهو الموعد النهائي للتوصل لاتفاق نهائي بين (G5+1) وإيران, فالإدارة الأمريكية في حالة ترقب وانتظار مثلها مثل إسرائيل المتخوفة والمعترضة منذ البدء على اتفاق الإطار الذي وقع في لوزان, وبالتالي لن تُقدم أمريكا على فتح جبهات عدة ضدها وضد إسرائيل, فهي في الوقت الحالي تركز جهودها للتوصل إلى عقد اتفاق بخصوص النووي الإيراني, كما أن الإدارة الأمريكية لن تقبل بأن تتصادم مرة أخرى مع إسرائيل أو أن يتم احراجها في أروقة الأمم المتحدة فيما يتعلق بملف القضية الفلسطينية في ظل الحديث عن إمكانية طرح مشروع في مجلس الأمن من قبل فرنسا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية, وهذا لن يتم قبل يونيو وسيتم تأجيل طرح المشروع لما بعد يونيو في حال تم الموافقة عليه من قبل اللجنة العربية المكلفة من قبل جامعة الدول العربية, وإذا ما أقدمت فرنسا على طرح المشروع قبل نهاية يونيو فإنه سيلقى رفضاً من قبل الإدارة الأمريكية باستخدام الفيتو,

فأمريكا لا تريد في هذا الوقت تحديداً إثارة أي قضايا تؤثر على مستقبل الاتفاق التاريخي المتوقع عقده, كما أنها لن تقبل أن يتم التوصل لحل القضية الفلسطينية عبر قرار يصدر من قبل مجلس الأمن وإنما عن طريق المفاوضات الثنائية, والأمر ليس مقتصراً على الإدارة الأمريكية في هذا الشأن, فالمجتمع الدولي بأسره لن يتطرق في الوقت الراهن لمباحثات تتعلق بالقضية الفلسطينية, فالقضية الأهم وحديث الساعة مقصور على البرنامج النووي الإيراني, وأنهم يرون أنه لا سبيل للتوصل لأي اتفاق فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية دون العودة للمفاوضات, وذلك من خلال القيام بجولات مكوكية بين فلسطين وإسرائيل سعياً لتقريب وجهات النظر والمواقف السياسية وخلق بيئة مناسبة لاستئناف المفاوضات المباشرة. وبالتالي يمكن القول بأن القضية الفلسطينية منذ نشأتها رهنت لكافة المتغيرات السياسية والتحولات الاستراتيجية والتحديات الأمنية التي تتعرض لها منطقة الشرق الأوسط والعالم بأكمله, وأن أي حلول أو تفاهمات أو اتفاقات بشأن القضية الفلسطينية تأتي بعد حل الأزمات التي تتعرض لها بالمنطقة وتشكل مصدر تهديد للمصالح الأمريكية والغربية,

كما جرى بعد انتهاء حرب الخليج الأولى – حرب تحرير الكويت – من انطلاق مباحثات السلام في مدريد إلى أن تم التوصل لعقد اتفاق أوسلو, وعليه يمكن القول بأن التوصل لاتفاق نهائي حول البرنامج النووي الإيراني, قد يسفر عن عودة المفاوضات الثنائية الفلسطينية الإسرائيلية وبرعاية دولية, وقد يسفر عن اصدار قرار في مجلس الأمن يدعو لتحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية دون أن يلقى معارضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية, بالإضافة إلى حل للكثير من الأزمات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط. أحمد سمير القدرة باحث في شؤون الشرق الأوسط.