بقلم : توفيق أبو شومر
ان عصر حروب الجيوش، والدبابات، والطائرات، والغواصات آخذٌ في الانقراض،وحلَّتْ محلَّهُ حروبٌ جديدة سهلة، قليلة التكلفة، تُدارُ عن بُعد!
لا يرجع سببُ انتهاء عصر الحروب العسكرية التقليدية إلى الخسائر البشرية الباهظة، التي تدفعها دولُ الغزو والاحتلال، بل يعود إلى أن الشعوبُ المقهورة، التي كانت تتصدى للاحتلال، استطاعتْ تحويل الهزائم إلى انتصارات، والنكسات إلى انطلاقات، تبعث الحميَّة والنخوة في النفوس!
أما حروب الجيل الجديد، فهي حروبٌ مختلفة، لا، لأنها تُدارُ عن بعد، بالروموت كونترول، ولكن لأنها تُسبب القهرَ النفسيَ والإحباط، وكرهَ الأوطان، وهي مجموعة خلائط من الأمراض النفسية، صعبة الإزالة، فهي تحوِّلُ مواطنيها إلى مجموعة من القُطعان، سهلةُ القيادة والتطويع!
ولكن ما أشكالُ هذه الحروبُ الجديدة؟
اكتشف مخطِّطو العالم، وتجَّارُه، وأباطرتُه، ومسيروه، أن هناك حروبا أخرى جديدة، أرباحها، أضعافُ أرباح الاحتلالات التقليدية الغابرة، والاستعمارات المذمومة السابقة!
من أبرز أشكال الحروب الجديدة، حروب مياه الشُرب، وهذه الحروب يجري الإعدادُ لها، لتكون هي ضمن مسلسل الحروب في الألفية الثالثة، فالنزاعُ على المياه، تراثٌ أزليٌ، يعود إلى نشأة الإنسان، غير أن المياه، كسلاحٍ جديدٍ، لم يُستخدم بعدُ استخداما واسعا، بعد أن اعتاد البشرُ على استهلاك كمياتٍ ضخمة من المياه كل يوم،ليعتادوا الاستهلاك المفرط، حتى تكونَ حروب المياه أكثر فعالية!
وهذا يجعل من سلاح المياه في المستقبل القريب سلاحا فعَّالا، أكثر تأثيرا من الأسلحة التقليدية!
أما السلاحُ الثاني، فهو بلا شك سلاحُ الكهرباء والغاز، وهذا السلاح لا يقلَّ في عالم اليوم عن سلاح المياه، وقد شُرع في استخدامه بفعالية في الدول العربية، في زمن (الخريف العربي) ! لدرجة أن كثيرين من مواطني بعض الدول العربية، المنتجة للنفط، وضعوا الكهرباء والغاز في الدرجة الأولى من اهتماماتهم، قبل التعليم، والوظيفة والقضايا السياسية والوطنية، وتحولت الكهرباء عندهم من نعمةٍ ورفاهية، إلى بؤرة نزاعٍ وقتال، وإلى قهرٍ نفسي وخلاف!
ولا يجب أن نُغفل سلاح التواصل الاجتماعي، وهو أيضا من أقوى الأسلحة، وأكثرها فعالية، لأنه أثبتَ قدراتِهِ على قلب الأنظمة والإطاحة بالحكومات والأحزاب، وتغيير جغرافيا البلدان، وإثارة النُّعرات.
وهناك سلاحٌ فتَّاكٌ آخرُ لم يُستعمل بعدُ، يجري الإعدادُ له بعناية في بلاد الاحتكارات، وهو من أخطر الأسلحة وأمضاها، إنه سلاحُ (القمح)، وهذا السلاح قادرٌ على الإطاحة بأقوى الدول وأعظمها، وما يزال العملُ جاريا على هذا السلاح، لكي يُحدث الانقلاب الأخير في عالم اليوم، ليُعيدَ صياغة العالم من جديد، على مقياس دول الاحتكارات التجارية.
وأخيرا، ليس صعبا تحديدُ الدول والمؤسسات المُنتجة لهذه الحروب الجديدة، حروب القهر والإحباط، فمن السهل أن نعرفَ زعماءَها، ومحركيها، وجاني ثمارها، ونكتشف أماكنهم، بالنظر إلى منتجاتهم من هذه السلع، وإلى أعوانهم ممن يُعرقلون منتجات الدول الصغيرة من هذه الأسلحة الجديدة، ومن شركاتهم التي تُسوِّق تلك المُنتجات!!