عشر سنوات رفعت خلالها حركة فتح شعار « استعادة قطاع غزة الى حضن الشرعية « وبعد سنوات الفشل والاخفاق، وعدم القدرة على استعادة القطاع، ذهب أحد قيادات الشعب الفلسطيني الى القول والاتهام عن « عدم رغبة الرئيس في استعادة القطاع، بل انه لا يرغب في ذلك « لأنه عبء تخلص منه «، ولأن السياسة مثل الحياة لا تقبل الفراغ والضعف برز شعار جديد لم يتداول بعد، وان كان أحدهم همس به محذراً بقوله « كما تم استعادة قطاع غزة سنعمل على استعادة الضفة «، وهو شعار غامض، ومقصده غير واضح بعد، ولكنه يحمل دلالة بل دلالات تعكس تفاهمات فتح وحماس، بين الدحلان والسنوار، وما أعقبها من اجراءات، وان لم تصل بعد الى جوهر القضايا الخلافية السابقة والمتفق على حلحلتها لاحقاً، فهل هذه تعني أنها شكلت الخطوة الأولى في عملية الاستعادة، مما يستوجب السؤال الجوهري : ممن ؟؟ .
الاجراءات باتت بائنة، وهي تؤكد أن المسار يسير متدحرجاً بخطوات متصلة تراكمية، مما يدفع نحو الاجتهاد في تفسير الشعار الجديد، ان كان يعيد الأمل باستعادة الضفة من جوف الحوت الاسرائيلي، أم استعادة الضفة وما تبقى منها من هيمنة الرئيس وفريقه ولجنته المركزية ؟؟ .
وسواء كان التفسير هو هذا أو ذاك، فهو ينم عن ثقة بتفاهمات القاهرة يوم 11 حزيران 2017، بشأن غزة، التي يمنحها اتفاق التفاهم أهمية، ويُعيد لها بعضاً من بريقها المخطوف، ويضعها في قلب الحدث الفلسطيني، كشريك لا يمكن القفز عنه أو التغاضي عن شراكته، بعد أن كان مغيباً يتلقى لطمات اجتياحات العدو الاسرائيلي 2008 و 2012 و 2014، والعقوبات الجماعية بالحصار، والتآكل الذاتي بسبب الانقلاب، وحرمان حق الاختيار، بسبب هيمنة اللون الواحد، فأهل القطاع معاقبون بقرار جماعي، من قبل العدو والشقيق، ومن قبل الجار والصديق !!.
أهمية قطاع غزة ودوره ومكانته في المشهد السياسي، يكمن في جدية الخطوات التي سيقطعها التفاهم، ويتم تنفيذها، لصالح أهل القطاع الذين يستحقون الدعم والاسناد والتعاطف وحق الحياة، بعد تضحيات كبيرة قدموها، تتطلب أن يتحول قطاع غزة الى حاضنة لمختلف الفعاليات والتوجهات والشخصيات وموضعاً لمظاهر النمو والتفوق، بلا تردد، وبلا معيقات !!
خياران أحلاهما مر
لم يعد أمام الرئيس الفلسطيني بعد سلسلة احباطاته الخاصة بمشاريع انهاء الانقسام، في 8/11/2015، و28/8/2016، ورده على مبادرات انهاء الانقسام، بعقد مؤتمر حركة فتح من طرف واحد يوم 29/11/2016، لم يعد أمامه سوى خيارين الواحد منهما أكثر مرارة من الأخر وهما :
الأول : استمرار التقاسم الوظيفي بينه وبين سلطات الاحتلال على قاعدة التنسيق الأمني القائم والفاعل بينهما .
الثاني : تقاسم السلطة بينه وبين المجلس التشريعي، بما يمثل من حالة شراكة وطنية جبهوية .، قد تُعيد لمسار النضال الفلسطيني حيويته ومراكمة خطواته .
فالنظام السياسي الفلسطيني يقوم على ساقين، ومؤسستين هما : الرئيس والمجلس التشريعي، وقد ثبت ذلك عملياً حين انتهت ولاية الرئيس مع ولاية المجلس التشريعي بنهاية العام 2009، فقام المجلس المركزي في شهر أذار 2010، باعتباره مرجعية السلطة الوطنية، واتخذ قراراً بتجديد ولاية الرئيس مع ولاية المجلس التشريعي معاً، ولذلك لا خوف على الرئيس من المجلس التشريعي، ولا خوف على المجلس التشريعي من قبل الرئيس، فكلاهما منتخب من الشارع الفلسطيني، من قبل أهالي الضفة والقدس والقطاع .
ضلعا الخلاف الفلسطيني الأبرز : 1- تيار حركة فتح الاصلاحي، و2- حركة حماس، توصلا الى اتفاق جوهري، قلب الطابق، ووضع مقدمة لاستعادة الدور الوظيفي للسلطة الوطنية في قطاع غزة، على أساس الأئتلاف وتوسيع قاعدة الشراكة في مؤسسات صنع القرار، وخيارهما مواصلة مشوار التفاهم، باتجاه استكمال أضلاع المربع الفلسطيني، فقد أنجز الضلعان المقدمة، وصنعا أرضية، مع ادراكهما المسبق أنهما لن يتمكنا وحدهما من ادارة العملية السياسية، بمعزل عن ضلعي المربع المتبقيين، وهما : 1- حركة فتح ولجنتها المركزية، 2- فصائل منظمة التحرير وخاصة الشعبية والديمقراطية، اضافة الى حركة الجهاد وحزب الشعب وحركة المبادرة وفدا، وفصائل التيار القومي والمستقلين، فالتفاهم وقع بغياب الأخرين ودون مشاركتهم، ولكنهم شركاء حتى ولو غابوا عن الحوار، اذ لا تكتمل صورة المشهد الفلسطيني بدون مشاركة القوى السياسية من تياري اليسار والقومية والمستقلين، فهم تكملة أضلاع المربع الفلسطيني، وهم مطالبون أن لا يعزلوا أنفسهم عما تم وعما تحقق، وما يجب عمله .
فهل يفعلها أبو مازن ولجنته المركزية، أصحاب الشرعية وقيادتها، ويبعث مندوبيه الى القاهرة، ويتجاوز عناده وفرديته ويستجيب لنداء المصالحة الوطنية، في آخر محاولة لاستكمال خطوات التفاهم وصولاً نحو الاتفاق الذي يجمع الكل الفلسطيني تحت رعايته وشرعيته، بعد أن فرش له النائب محمد دحلان وحركة حماس أرضية سياسية ملائمة توفر له فرصة تجديد شرعيته من قبل قوى حية لا يملك سوى خيار التعامل معها، والانحناء أمام انجازاتها، بدلاً من معاقبة نفسه ورفاقه من مناضلي حركة فتح، ويقسو على شعبه في قطاع غزة استجابة للعدو الاسرائيلي والضغط الأميركي المساند !! .
خيارات صعبة
حمل جيسين جرينبلات مفوض الرئيس الأميركي لعملية المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، في شهر أذار شروطاً ابتزازية صعبة، أطلق عليها تحسين أجواء التفاوض، وزرع عوامل الثقة، وطلب من الرئيس الفلسطيني تنفيذها، وهي حقيقة شروط نتنياهو كاملة، وهي ايضاً بمثابة اجراءات عقابية بحق الشعب الفلسطيني ومناضليه من الشهداء والأسرى، اضافة الى الغاء مفردات ومضامين رفض الاحتلال باعتبارها لغة تحريضية على الفلسطينيين التخلص منها قبل الاحتلال، وهي باختصار عوامل تكيف الشعب الفلسطيني مع بقاء الاحتلال، خاصة وأن جرنيبلات جدد مطالبته للرئيس أبو مازن العمل بها وتنفيذها حينما جرى اللقاء بحضور ومشاركة جيراد كوشنير مستشار الرئيس ترامب وزوج ابنته في شهر حزيران 2017، فهل يقبل الرئيس الفلسطيني شروط نتنياهو المذلة التي حملها له الصهيونيان المتعصبان والمنتميان لليمين الاسرائيلي سياسياً وفكرياً، جرينيلات وكوشنير، أم يتسع صدره لتفاهمات الدحلان مع السنوار، وهي التي ستُعيد له مكانته الممزقة بين الضفة والقدس والقطاع، وبين الأضلاع الثلاثة : تيار فتح الاصلاحي وحماس والفصائل الأخرى .
خطايا ارتكبت
حماس أرتكبت خطايا حينما راهنت وعملت على أن تكون البديل عن منظمة التحرير، وارتكبت جريمة الانقلاب ضد نفسها وضد الشرعية، وها هي قد وصلت الى الطريق المسدود بعد أن ضاقت عليها الفرص ولم تعد خياراتها مفتوحة ومتاحة، وكما قدم لها أحد شخصيات المال والأعمال بقوله « ليس أمامكم سوى محمد دحلان، الخصم اللدود، فهو المنفذ وهو المنقذ «، وهكذا كان، سياسياً ومالياً، فقد فكفك لهم وأمامهم عُقد الحصارات، ووفر لهم سلم النزول عن الشجرة، وقدم لهم شبكة انقاذ فلسطينية ومصرية وامارتية، وعملياً أخرجهم من مأزق الخيارات المرة، اما أن يكونوا مع السعودية أو مع قطر، وفي الحالتين سيتحملون مرارة الاختيار، وها هو خيارها مع الدحلان أنقذههم من التصادم مع السعودية ومع قطر في نفس الوقت، وفتح لها بوابات القاهرة، والثمن تخلي حماس عن التفرد والسيطرة الأحادية، والتحول نحو قبول الشراكة والتعددية في اطار منظمة التحرير ومؤسساتها، والاحتكام مرة اخرى الى نتائج صناديق الاقتراع .
ومثلما غيّرت حماس، وغيّر محمد دحلان، مطلوب من الرئيس أن يُغير، لأنه اذا لم يُغير فسيتغير، وعناده وأحادية خياراته لن تبقيه سوى شريك في التقاسم الوظيفي مع الاحتلال، عبر التنسيق الأمني ومعاقبة مناضلي فتح على نضالاتهم، ومعاقبة الأسرى على بسالتهم، ومعاقبة عائلات الشهداء على تضحياتهم .
لقد سبق للرئيس أبو مازن أن أحبط مساعي القاهرة نحو وحدة حركة فتح، ونحو الوحدة الوطنية مع حماس، مثلما أحبط جهود الرباعية العربية مصر والأردن والامارات والسعودية ( 28/8/2016 )، والهادفة لتنفيذ الرؤية المصرية بهدف لملمة الوضع الفلسطيني، فهل يستطيع مواصلة توجيه الاحباطات لجهود مصر الهادفة الى تأمين الأمن المصري في سيناء ومن غزة، ومنع خارطة الطريق المصرية لاستعادة الوحدة وتمتين العلاقات الفلسطينية الداخلية وتصليب بنيانها كي تستطيع الوقوف في وجه تفوق الاحتلال وأدواته، وتوحيد نضالات الشعب الفلسطيني وأدواته وفصائله.
انحياز الزهار نحو الاتفاق
أربعة عناوين أفرج عنها محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحركة حماس، وأوردها في تصريحه عن اللقاء الثنائي الذي جمع قادة حركة حماس مع قادة التيار الاصلاحي الديمقراطي من حركة فتح، والعناوين هي :
1- تفعيل المجلس التشريعي، 2- ادخال الكهرباء والدواء، 3- فتح معبر رفح المؤجل حتى تتم صيانته، 4- المصالحة المجتمعية، اضافة الى حرية النشاط السياسي والتحرك التنظيمي لفريقي حركة فتح، فريق الرئيس أبو مازن وفريق محمد دحلان، وهذا التحرك السياسي والنشاط التنظيمي لفريقي حركة فتح يُعبر عن عنوان واضح وهو انهاء التفرد والأحادية والتسلط وفتح بوابات وأحياء وأجواء قطاع غزة للتعددية، وهو تحد لا يمكن الوثوق به الا اذا حصل حقاً وفعلاً لمجالس طلبة الجامعات، وللبلديات، وللنقابات، كما يحصل في الضفة الفلسطينية، ففي جامعات الضفة وبلدياتها ونقاباتها تتمتع حركة حماس بحرية التحرك والنشاط بما فيها الحصول على مقاعد لدى هذه المؤسسات الجماهيرية، وتفوز فيها وبها، وببعضها تفوقت على حركة فتح وعلى باقي الفصائل، مما يدلل على وجود انفتاح وشراكة وتعددية في الضفة وهو ما تفتقده أجواء غزة ويومياتها .
السنوار والأولوية للمصلحة العامة
الانطباعات المصرية على اللقاء مع يحيى السنوار أنه صاحب قرار يعكس شخصيته القوية، وما وعد به ونفذه يعكس مصداقيته، بما فيها رفضه تسليم مطلوبين للأمن المصري يختفون في قطاع غزة، ورداً على مطالب الأمن المصري قال لهم السنوار "هؤلاء أعطيناهم الأمان ولا يمكن أن نخونهم ونقوم بتسليمهم طالما هم ينفذون تعليمات حركة حماس، ويحترمون مصالحها بما فيها عدم المساس بالأمن المصري، وهذا ما نعدكم به، وهو عدم المساس بالأمن المصري من قبلنا وبمن يقيم عندنا " .
موقف السنوار الشجاع الواضح هذا وجد التقدير والاحترام من قبل الأمن المصري، ولذلك وصفوه في تقريرهم للرئيس السيسي على أنه " واضح وشجاع ولديه مصداقية «، وهذا ما سهل للطرفين المصري وفريق دحلان من حركة فتح سهولة التعامل معه وسرعة التوصل الى اتفاقات جوهرية مع ادارته وفريقه" .
السنوار فسر موقفه عن الدحلان أمام المكتب السياسي لحركة حماس بقوله " هناك فرق كبير بين الحزب والتنظيم وحماس من جهة، وبين الدولة والسلطة والمصلحة العامة من جهة أخرى، والأولوية يجب أن تكون لمصلحة السلطة والادارة وحياة الناس حتى ولو كانت على حساب التنظيم وعلى تراجع حركة حماس وتنازلها عن امتيازات ادارتها المنفردة لقطاع غزة".
منطق وطني، ونفس جديدة قالها السنوار، وروح وثابة غير حزبية وغير ضيقة ستهزم كل من يقف في وجه التفاهمات الفلسطينية الفلسطينية، والفلسطينية المصرية .